احمد الفرحان ابو هزيم : حرب غزّة، الأردن كان حاضراً
من ينكر دور الأردن في حرب غزّة ليس عنده معرفة في أبجديات الحرب، فالأردن كان حاضرا في الحرب ولكن بأشكال اخرى،
ودور الأردن في حرب غزّة هو دور ملكي بامتياز، هو دور سياسي عسكري ربما شكل سابقة تاريخيّة لم يسبق ان قرأنا او رأينا مثلها، وهنا تتبدّى لنا عبقرية العمل لتتناسب مع الزمان والمكان، فمن المألوف وجود زعماء دول محاربين يقودون جيوشهم في المعارك، ومن المألوف ان نرى قادة سياسيين يلبسون أزياءهم المدنية ويمارسون الدبلوماسية في الوقت الذي تكون جيوشهم تحارب، اما في حالة غزّة كان الملك يذهب الى ميدان القتال في لباس المعركة وفي وسيلة عسكرية مميزة ظاهرة للعيان (طائرة) كي يمارس سياسة ويدعم صمود، ونراه يقوم شخصيا وولي عهده الأمين وابنته الأميرة، كل على حدة، وعلى التوالي، يذهبون إلى غزّة لتمرير الرسالة والإصرار على دعم الصمود ومنع التهجير، يرتدون لباس الميدان ويذهبون الى قلب منطقة المعركة يمارسون عملا من أعمال الجيش في الوقت الذي يعرفون انهم قد يستشهدون في اي لحظة والمعاذير في ذلك كثيرة تبدأ بالذخائر والصواريخ الطائشة ولا تنتهي عند الأخطاء الفردية، وبطبيعة الحال فالحرب تكثر فيها الذخائر الطائشة وتكثر فيها الأخطاء الفردية، ثم ان إسرائيل «محميّة» تفعل ما تريد عندما تريد وهي كما يقولون بالعاميّة » لا قاهر ولا ناهر ».
كما ان الشعب الأردني والجيش الأردني وكافة مؤسسات الدولة الأمنية منها وغير الأمنيّة كانت حاضرة في اهتماماتها وأمنياتها، وشكلت جانبا هاما من دعم الصمود الفلسطيني.
والمجهود الحربي الفلسطيني يشمل كافة مكونات وامكانات وقدرات الدولة المتوفرة لها في الحرب وكل ما يساعدها في الصراع وتحقيق النصر بما فيه القوى البشرية والاسلحة والتموين والامداد والخدمات الطبية والصناعات والتمويل والاستشارات والبحث العلمي والتوجيه المعنوي والإعلام والمخابرات والاستخبارات والدبلوماسية النشطة في المحافل الدولية تعتبر جانبا من الحرب واستمرارا لها..إلخ.
حاولت إسرائيل ممارسة العديد من المناورات والاستراتيجيات في غزّة بقصد اجهاض المجهود الحربي الفلسطيني وتحقيق انتصار وتهجير السكان الى خارج غزّة ومن بعدها الضفة الغربية وخلق واقع جديد فيهما، فمارست الحصار، المنع والتجريد، تجفيف موارد السلاح والذخائر، التجويع والتعطيش، تحطيم المعنويات بالترويع والحرب النفسية والتمادي في القتل واستخدام القوة العاتية، عزل الغزّيين ميدانيا واستراتيجيا عن محيطهم حتى يشعروا بالضعف والوهن، وحرمانهم من الخدمات الطبية حتى تتفاقم الإصابات والهاء السليم بالمصاب وبالسقيم حتى تنخفض المعنويات وتقل أعداد القوى المقاتلة، وغيرها..،
وكانت النتيجة مما سبق أن إسرائيل حاصرت غزّة من كل الجهات فجاء المدد الأردني من الجو وكسر الحصار،
ومنعت إسرائيل وصول الأغذية ومياه الشرب الى غزّة بقصد دفع السكان للهجرة طوعا بفعل الجوع والعطش فجاء المدد الأردني برا وجوا وساهم هذا المدد في بقاء السكان في وطنهم وفوّت فرصة تهجير السكان على إسرائيل،
حاولت إسرائيل قتل الروح القتالية للفلسطينيين في غزّة من خلال الامعان في القتل وإصابة عشرات ألوف الفلسطينيين فجاءت المستشفيات الأردنية إلى شمال وجنوب غزة ونابلس ايضا لتساعد في علاج المصابين وترفع معنويات الشعب الفلسطيني على حد سواء،
وطوال فترة حصار ومحاولة عزل غزّة كان الشعب الأردني حاضرا بفئاته ونخبه وكتّابه ومثقفيه يدعمون ويتظاهرون ويشدّون ازر اخوانهم في غزّة ويشعرونهم انهم ليسوا معزولين عنهم ويرفعون من معنوياتهم.
وفي الوقت الذي انشغل فيه الفلسطينيين في القتال، ونَعْتِهم بالإرهاب وغلق طريقهم الى المنصات الدولية لشرح وجهة نظرهم، كان النظام الأردني مَلِكاً ومَلِكة وأركان دولة يجوبون العالم والمحافل الدولية ويرتقون المنصات الإعلامية بالنيابة عنهم، يشرحون القضية ويعملون على إنصاف الفلسطينيين وتوضيح صورتهم ومظلوميتهم للعالم.
ونسأل: عندما ترسل القوات المسلحة الأردنية مستشفيات ميدانية الى غزّة والحرب دائرة، وتقدم العلاج لما يقارب (٥٠٠٠٠٠) إنسان بدون تمييز، وتقوم بعمليات جراحية لما يقارب (٣٠٠٠)إنسان، اليس هذا مشاركة مباشرة في تعزيز الصمود الفلسطيني؟
اليس قيام الجيش الاردني اثناء الحرب بعمل جسر جوي بين الاردن وغزّة، وارسال (١٢٢) رحلة جوية خاصة و (٢٦٦) رحلة مشتركة مع دول اخرى، هو كسرا للحصار ودعما للصمود الفلسطيني؟؟
أليس ارسال ما مجموعه ٣٥٣٥ شاحنة بحمولة ٥٢٩٥٢ طن مواد تموينية وضروريات حياتية اثناء الحرب، مساهمة في الصمود الفلسطيني يستفيد منها جميع سكان غزّة؟؟
أليس حمل جلالة الملك وجلالة الملكة والدبلوماسية الأردنية للقضية الفلسطينية للعالم والمحافل الدولية هو الجانب السياسي من الحرب ودعما لمجهودها، ويضعه جلالة الملك عبد الله الثاني على قمة أولوياته لارتباطه الحميم والحيوي بالمصلحة الوطنية العليا للأردن؟؟
نحيي اخواننا الفلسطينيين ونعتز بصمودهم الأسطوري في غزّة أمام احدث وأعتى جيوش العالم لمدة (١٥) شهرا متواصلة بالرغم من النقص الحاد في مجهودهم الحربي، هذا الصمود الذي سيدرّس في المعاهد العسكرية العالمية وسيبقى نجمة مضيئة في التاريخ العسكري الفلسطيني العربي في الأزمنة القادمة. ونحيي ونشكر للأردن قيادة،وشعبا، ومؤسسات امنية ومدنية، على ما قدموه من مؤازرة لغزّة ومن دعم صمودها وفي الوقت الذي كانوا في منتهى الحاجة اليه. ــ الراي