د. حسان ابو عرقوب : الفرقة الناجية في ميزان البحث
يثير مصطلح «الفرقة الناجية» كثيرا من الأسئلة، أهمها: ما قطر الدائرة التي تمثله؟ وما الأثر الذي يتركه هذا المصطلح في فكر المسلم وسلوكه؟
يتناول أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة الأستاذ الدكتور محمد البشاري هذا المصطلح وتداعياته في كتابه الجديد «الفرقة الناجية..وَهْمُ الاصطفاء» والذي قدّم له فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور علي جمعة، المفتي السابق لجمهورية مصر العربية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول عدا التمهيد والمقدمة والخاتمة، يحمل الفصل الأول عنوان لافتا وهو: «حديث افتراق الأمة بين الثبوت والسقوط»، حيث يناقش المؤلف في المبحث الأول حديث افتراق الأمة -الذي يستند إليه في مصطلح الفرقة الناجية- سندا ومتنا، رواية ودراية، وذلك من وجهة نظر علماء أهل السنة والجماعة، ومن حيث السند بذل المؤلف جهدا واضحا في جمع روايات الحديث ومناقشتها، فقد روي هذا الحديث عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه بروايات متعددة بلغت خمس عشرة رواية، وبعد السرد والمناقشة ينتقل المصنف إلى رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وقد نقلت عنه سبع روايات، ثم نجد المؤلف يتتبع روايات الحديث عن سيدنا عوف بن مالك التي بلغت تسع عشرة رواية ومثل ذلك يقال عن روايات ساداتنا عبد الله بن عمر، ومعاوية بن أبي سفيان والإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا. أما من حيث المتن فقد ناقش المؤلف دلالات الألفاظ مثل: «الافتراق»، و»الأمة»، و»الفرقة الناجية»، و»كلها في النار إلا واحدة».
وفي المبحث الثاني ينتقل المؤلف ليسلط الضوء على حديث الافتراق لكن حسب وجهة نظر «الشيعة»، مقدما رواياتهم وتأويلاتهم له، ليختم هذا الفصل بالمبحث الثالث الذي يتناول حديث الفرق الناجية عند من تبقى من فرق إسلامية كالزيدية والإباضية.
وتعد هذه الرحلة الحديثية المتخصصة عند أهل السنة والجماعة وغيرهم، نظرة واسعة ومعمقة لهذا الحديث من حيث الثبوت والدلالة، وقد شغل هذا الفصل المساحة الأكبر في الكتاب، وأخذ نصيب الأسد منه، حيث بلغ 437 صفحة، من أصل 504 صفحات.
ثم يأتي الفصل الثاني من الكتاب بعنوان «أحاديث الملاحم والفتن..دعوة للتعقل والمراجعة»، حيث يناقش المؤلف أحاديث الفتن، مبينا مفهوم الفتن، ودواعي السقوط فيها، وخريطة الطريق التي رسمت في الكتاب والسنة لاجتنابها أو الخلاص منها إن وقعت.
ثم الختام بالفصل الثالث من الكتاب بعنوان «افتراق الأمة بين التاريخ والتوظيف الأيدولوجي..البحث عن اليقين الروحي» حيث يضع الكاتب في المبحث الأول خلاصة دراسته لحديث الافتراق وأحاديث الفتن، ثم ينتقل إلى الشق العملي في المبحث الثاني ليبين كيفية التعامل الإسلامي الحضاري مع المخرجات المعرفية لحديث الافتراق وأحاديث الفتن.
لاشك أن موضوع الكتاب مهم؛ لأن له انعكاسا على فكر المسلم وسلوكه، وهذا الكتاب بمنهجيته الاستقرائية والتحليلية ربما يكون خطوة على طريق الفهم الصحيح للنص الوارد في المسألة، فهما مؤسّسا على تحليل ثبوت الرواية ومعناها، عند مختلف المشارب الإسلامية، ربما نتفق مع المؤلف في بعض القضايا ونختلف في أخرى، لكنه يبقى كتابا جديرا بالقراءة، ولكل مجتهد نصيب. ــ الدستور