الأخبار

د . صلاح جرار : رحلتي إلى غزّة

د . صلاح جرار : رحلتي إلى غزّة
أخبارنا :  

هذه رحلة ثمينة قمت بها قبل ربع قرن لم تتجاوز مدّتها أربعاً وعشرين ساعة بدأت من صباح يوم الخميس 9/ 12/ 1999 وهو اليوم الأول من رمضان ذلك العام، وانتهت صباح اليوم التالي الجمعة 10/ 12/ 1999 برفقة الصديق الأديب الكبير يحيى يخلف وصحبة الدكتور فيصل الرفوع وزير الثقافة الأردني آنذاك والأستاذ محمد الشوابكة مدير المركز الثقافي الملكي آنذاك، والمرحوم الأستاذ علي قبّاعة مدير المكتبة الوطنية حينذاك، وجاءت هذه الزيارة إلى قطاع غزّة بعد زيارة ليليّة متأخّرة التقينا فيها بالمرحوم ياسر عرفات في مقرّ إقامته برام الله بحضو? ياسر عبد ربّه وزير الثقافة الفلسطيني آنذاك والطيّب عبد الرحيم ونبيل شعث ويحيى يخلف.

انطلقنا من رام الله في الساعة العاشرة صباحاً في حافلة صغيرة مخصّصة لنا حيث لا يمنح الإسرائيليون تصريحاً إلاّ لسيارة واحدة عند عبور معبر إيريز، وبينما كنّا نتحدّث طوال الطريق في أمورٍ ثقافية وسياسية وعن الاحتلال الصهيوني ومعاناة الفلسطينيين معه، كنت أنا أمتّع ناظريّ بجماليات الطريق وجمال المزروعات والأشجار، وكنت توّاقاً لزيارة هذه البقعة الطاهرة من أرض فلسطين لما لها من تاريخ عريق ومشهود في المقاومة والنضال ضدّ الاحتلال الصهيوني، ولكونها مسقط رأس الإمام الشافعي رحمه الله وبها قبر هاشم بن عبد مناف جدّ نبيّنا?محمّد عليه السلام، ووصلنا إلى ما يعرف بمعبر إيريز وأتممنا إجراءات الدخول إلى غزّ، وكانت الأمور ميسّرة بسبب كوننا وفداً رسميّاً وبصحبة مسؤول من السلطة الفلسطينية وهو الأديب والروائي يحيى يخلف أمين عام وزارة الثقافة الفلسطينية آنذاك، وكنت أنا أيضاً في ذلك الوقت أميناً عاماً لوزارة الثقافة الأردنية.

ولدى وصولنا إلى الفندق وبعد استراحة قصيرة توجهنا مباشرة إلى مقر وزارة الثقافة وكان في استقبالنا مديرها العام الأديب الشاعر المعروف أحمد دحبور رحمه الله تعالى، والتقينا معه بمجموعة من المثقفين والأدباء ودار حوار ثقافي وفكري وأدبي ممتع، وبعد اللقاء توجّهنا إلى القرية الفنيّة، وتعرف بقرية الفنون والحرف وكانت قد تأسست سنة 1998 بجوار متنزه الكتيبة وسط مدينة غزة وتعود ملكيتها لبلدية غزة، وكانت مزاراً للعرب والأجانب بسبب مقتنياتها من الآثار القيمة، وكانت تقام بها المعارض الفنيّة للفنانين الغزيّين وتقام بها المهرج?نات الثقافية، ولديها برامج لتطوير فن الرسم لطلبة المدارس. وقد شاهدنا في القرية بعض الأعمال الفنية والآثار القيمة.

ثم توجّهنا بعد ذلك إلى مكتبة بلدية غزة العامّة وتعدّ من أبرز المعالم الثقافية لمدينة غزة وقد أنشئت عام 1999، قبل نحو خمسة أشهر من تاريخ زيارتنا.

وبعد ذلك تجوّلنا بصحبة القنصل الأردني في غزة الأستاذ إبراهيم العواودة على شاطئ غزة ومشينا في أسواقها واطلعنا على أسواق بيع السمك وغيرها، ولمــّا كانت هذه الجولة في وقت الصيام وكنّا نشاهد أسواق السمك والخضار والطعام ازداد جوعنا وتشوّقنا إلى وقت الإفطار، كنت طوال الوقت أتأمّل كلّ ما تقع عليه عيناي من شواطئ ومنازل ومساجد وأسواق وأشجار ووجوه تفيض منها الطيبة والكرم والمروءة، وكنت أستفسر من الصديق الأستاذ إبراهيم العواودة عن كلّ شيء وكان يتميّز بخلق رفيع وأدب جمّ، وبعد ذلك اليوم الطويل والحافل والجميل والمفيد ر?عنا إلى الفندق الذي نزلنا فيه وهو فندق (Beach) وأخذنا قسطاً من الراحة في انتظار وقت الإفطار في اليوم الأول من رمضان المبارك، ولمــّا حان موعد الإفطار تناولنا الإفطار في الفندق.

ولأنّ الوقت المخصّص لهذه الزيارة كان قصيراً، قمنا بعد الإفطار بزيارات أخرى، كان أهمّها زيارة الفضائية الفلسطينية في غزّة وقد حظينا فيها باستقبال حافل من المسؤولين واطلعنا على ما فيها من أقسام وأنشطة وبرامج وأجروا معنا مقابلات عن زيارة الوفد الأردني وأهدافه وانطباعاته، وكانت هذه الفضائية متميّزة في كلّ شيء شكلاً ومضموناً، وكانت تعرف باسم قناة فلسطين الفضائية وقد بدأ البثّ بها في عام 1999 من قطاع غزة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية.

ثمّ رجعنا إلى الفندق بعد يوم غنيّ بالزيارات واللقاءات والمشاهدات، ومع ذلك أكملنا سهرتنا أنا وأبو خوّام (محمد الشوابكة) وعلي قبّاعة حتى الساعة الثانية والنصف فجراً، واستيقظنا مرة أخرى على السحور الساعة الرابعة وتناولنا قليلاً من طعام السحور، ونمنا حتّى الثامنة صباحاً، حيث بدأنا استعدادنا للعودة.

وعلى الرغم من قصر مدّة هذه الرحلة إلاّ أنّها كانت رحلة مفيدة وممتعة وتمنّيت لو تطول أكثر، كان الطقس في ذلك اليوم جميلاً ودافئاً، وكان الزمن مباركاً لأنّه في شهر رمضان، وقد أعجبتني نظافة المدينة وشوارعها وهيبة الرجال ووقار النساء والأطفال وعذوبة صوت الآذان وجمال المباني، وتذكّرت شجاعة أهلها في الانتفاضة الأولى سنة 1987. وكانت من الأماكن والمدن التي تركت أثراً طيّباً في النفس لا يزول واشتياقاً لزيارتها مرّة أو مرّات أخرى إن شاء الله تعالى.

ــ السلامة

Salahjarrar@hotmail.com

مواضيع قد تهمك