الأخبار

أ. د. ليث كمال نصراوين : التكليف الملكي بتشكيل مجلس تكنولوجيا المستقبل

أ. د. ليث كمال نصراوين : التكليف الملكي بتشكيل مجلس تكنولوجيا المستقبل
أخبارنا :  

وجه جلالة الملك، أمس الأول، رسالة خطية إلى رئيس الوزراء كلّفه فيها بتشكيل مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل برئاسته ومتابعة مباشرة من سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، على أن يختار الرئيس أعضاء المجلس الجديد من أصحاب الخبرة والكفاءة. وقد حدد جلالة الملك أهداف هذا المجلس والمتمثلة «بتعزيز مكانة الأردن كدولة متقدمة تكنولوجيا تتمتع باقتصاد ومجتمع رقمي مزدهر، خصوصا في ظل التنافسية العالمية لتبني واستخدام التكنولوجيا الحديثة».

إن هذا التوجيه الملكي لرئيس الوزراء يعتبر مظهرا من مظاهر ممارسة جلالة الملك لسلطاته الدستورية. فالمشرع الدستوري أناط بالملك رئاسة السلطة التنفيذية على أن يمارس صلاحياته بواسطة وزرائه وذلك عملا بأحكام المادة (26) من الدستور. كما حدد المشرع الدستوري الآليات التي من خلالها يمارس الملك سلطاته الدستورية، والتي تتمثل بأسلوبين اثنين هما الإرادات الملكية والأوامر الخطية والشفوية.

فالإرادات الملكية تعتبر الأسلوب الأكثر شيوعا الذي يمارس من خلاله الملك سلطاته الدستورية، وتكون هذه الإرادات–وكقاعدة عامة–موقعة من رئيس الوزراء والوزير المختص، ومن ثم يثبت الملك توقيعه فوق التواقيع المذكورة، وذلك استنادا لأحكام المادة (40/1) من الدستور.

وابتداء من عام 2014، أوجد المشرع الدستوري استثناء على الإرادة الملكية الموقعة وفق نظرية التوقيع الوزاري المجاور، فحدد صلاحيات دستورية معينة يمارسها الملك بإرادة ملكية منفردة دون توقيع رئيس الوزراء أو أي من الوزراء. وقد قصّر المشرع الدستوري نطاق ممارسة الملك لصلاحياته المنفردة لتشمل تعيين شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية وقضائية معينة، قبل أن تضيف التعديلات الدستورية لعام 2022 مناصب دينية وإدارية جديدة لهذه الفئات التي يجري تعيينها بإرادة ملكية منفردة، تتمثل بقاضي القضاة والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي الها?مي، ووزير البلاط الملكي الهاشمي، ومستشاري الملك.

أما الأسلوب الثاني الذي يمارس من خلاله الملك سلطاته الدستورية، والتي ظهرت بشكل جلي خلال الأيام القليلة الماضية، فيتمثل بأوامر خطية وشفوية استنادا لأحكام المادة (49) من الدستور، والتي تنص على أن «أوامر الملك الشفوية أو الخطية ﻻ تُخلي الوزراء من مسؤوليتهم».

فالرسالة الخطية التي وجهها جلالة الملك لرئيس الوزراء يطلب فيها إنشاء مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل بتشكيلة معينة ولتحقيق أهداف وغايات محددة تعتبر دستوريا أمرا خطيا مارس بواسطته الملك صلاحياته التنفيذية. فهذا الأمر الخطي يعد ملزما لرئيس الوزراء والوزراء، ولا يحق لهم مخالفته أو التنصل منه، وذلك بدلالة الحكم الدستوري الوارد في المادة (49) من الدستور الذي يفيد بأن هذه الأوامر «لا تُخلي الوزراء من مسؤوليتهم».

أما الأوامر الشفوية التي يصدرها جلالة الملك كمظهر من مظاهر ممارسته لسلطاته الدستورية، فتجلت قبل أيام عند ترؤس جلالته جانبا من جلسة مجلس الوزراء، حيث أصدر توجيهاته الشفوية إلى الحكومة والوزراء بالعمل كفريق واحد، وتقديم تقرير شهري عن سير العمل في تنفيذ الأولويات الاقتصادية. كما وجه جلالة الملك الحكومة لاتخاذ إجراءات سريعة يلمس المواطن أثرها على الصعيد الاقتصادي في مجال تحدي البطالة وإعادة تحفيز النمو، مع ضرورة إدامة الحوار والشراكة مع القطاع الخاص.

وأسوة بالأوامر الخطية، فإن هذه المطالبات الملكية للفريق الوزاري تعد دستوريا من قبيل الأوامر الشفوية التي هي أيضا لا تُخلي الوزراء من مسؤوليتهم عن تنفيذها وإخراجها إلى حيز الوجود.

ويبقى التساؤل الأبرز حول مظاهر المسؤولية الدستورية في حال إخلال رئيس الوزراء والوزراء بالأوامر الملكية الخطية أو الشفوية، حيث تتجلى أبرزها في مسؤولية الحكومة رئيسا وأعضاء أمام الملك مباشرة، والذي يملك الحق بإقالة رئيس الوزراء أو أي من الوزراء وفق أحكام المادة (35) من الدستور. فعدم تنفيذ الحكومة أو الوزراء فيها لتوجيهات الملك الخطية أو الشفوية تعرضها لخطر الإقالة وفق أحكام الدستور.

أما الوجه الآخر من مسؤولية رئيس الوزراء والوزراء عن مخالفة أوامر الملك الشفوية أو الخطية، فيفترض أن تثبت أمام مجلس النواب، الذي له سلطة رقابية على الحكومة بأشكال متعددة أقصاها طرح الثقة.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com

مواضيع قد تهمك