د. اسماعيل ابو عامود : المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل:رؤية استشرافية لأقتصاد مستدام
تعكس رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني الرامية إلى إنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل إدراكًا عميقًا لدور التكنولوجيا في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي و الأردني، و يأتي هذا التوجه في إطار رؤية التحديث الاقتصادي (2023-2033)، التي تهدف إلى بناء اقتصاد قائم على الابتكار والاستدامة، مما يعزز قدرة الأردن على مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية.
ان انشاء المجلس يمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى تمكين الأردن من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في مجال الاقتصاد الأخضر. فمن خلال تطوير سياسات تشجع على التحول إلى الطاقة النظيفة وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، يمكن تحقيق نمو اقتصادي يقلل من الآثار البيئية السلبية. كما أن التحولات الاقتصادية العالمية باتت تفرض على الدول استثمار التكنولوجيا كوسيلة أساسية لتعزيز التنافسية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أصبحت التكنولوجيا اليوم عنصرًا محوريًا يتغلغل في جميع جوانب الحياة والمجالات المختلفة، حيث باتت تلعب دورًا حاسمًا في تطوير القطاعات الحيوية. في المجال الطبي، أحدثت التكنولوجيا نقلة نوعية في التشخيص والعلاج من خلال الأجهزة المتقدمة والذكاء الاصطناعي، مما أسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية. أما في الزراعة، فقد ساعدت التقنيات الحديثة مثل الزراعة الذكية وأنظمة الري المتقدمة في زيادة الإنتاجية وتحقيق استدامة الموارد. وفي قطاع الطاقة، تُستخدم التكنولوجيا لتطوير مصادر طاقة متجددة وكفاءة استخدامها، ما يدعم التحول ن?و الاقتصاد الأخضر. كما أن الصناعة شهدت تطورًا هائلًا بفضل الأتمتة والروبوتات التي حسّنت من كفاءة الإنتاج وخفضت التكاليف. ولم يكن التعليم بمعزل عن هذا التطور، حيث أصبح التعليم الرقمي والمنصات الإلكترونية أدوات أساسية في العملية التعليمية، مما ساهم في توسيع نطاق الوصول إلى المعرفة. التكنولوجيا لم تترك مجالًا إلا ووضعت بصمتها فيه، لتصبح بذلك مفتاحًا للتقدم والابتكار في جميع القطاعات.
يتمتع الأردن بسمعة مرموقة في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث ساهمت الكفاءات المحلية في بناء شركات تكنولوجية رائدة، سواء على المستوى المحلي أو من خلال الشراكات مع الشركات العالمية. ومن المتوقع أن يلعب الشباب الأردني، خاصة من جيل المستقبل، دورًا محوريًا في قيادة هذا التحول عبر تطوير مشاريع مبتكرة تدعم الاقتصاد الأخضر وتعزز مكانة الأردن كدولة متقدمة تكنولوجيًا. وبالإشارة إلى تقرير الدول الأكثر تقدمًا تكنولوجيًا، يأتي ترتيب الأردن في المرتبة 54 عالميًا حيث يستند هذا التصنيف إلى معايير متعددة تشمل نسبة مستخدمي ال?نترنت، انتشار تقنيات الاتصالات المتقدمة، ومستوى الابتكار، مما يعني جاهزية الاردن لهذا التحول التكنولوجي.
إلى جانب ذلك، يُتوقع أن يشكل إشراك مراكز البحث والجامعات في هذه الجهود عاملًا حاسمًا في ضمان نجاح المجلس. فمن خلال تعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية، يمكن تهيئة الأجيال القادمة للتعامل مع التحولات التكنولوجية الكبيرة. سيكون من الضروري تصميم برامج تعليمية متقدمة، وتطوير أبحاث تطبيقية تركز على التكنولوجيا الخضراء والابتكار، ما يضمن تكوين جيل يمتلك المهارات والمعرفة اللازمة للتعامل مع متطلبات المستقبل.
إن تأسيس المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل يعكس رؤية استشرافية تهدف إلى جعل التكنولوجيا محفزًا رئيسيًا لتحقيق التنمية المستدامة. ومن خلال سياسات ترتكز على دعم الابتكار، وبناء القدرات البشرية، وتعزيز الشراكات الدولية، سيصبح الأردن نموذجًا يُحتذى به في التكيف مع التحولات العالمية وتحقيق الازدهار الاقتصادي في ظل التحديات البيئية والاقتصادية الراهنة. ــ الراي