الأخبار

محمد خروب : نتنياهو: «بونابرت إسرائيل»..؟؟ (2-3)

محمد خروب : نتنياهو: «بونابرت إسرائيل»..؟؟ (23)
أخبارنا :  

استكمالاً لمقالة أمس الإثنين حول الدراسة المُطولة, التي أعدّها «غاي لارون» (مُحاضِر أوّل في قسم العلاقات الدولية, في «الجامعة العبرية» في القدس المُحتلة، قام بنشرها في موقع «كاتاليست» (catalyst), وهو موقع تابع لمنظمة عالمية «غير رِبحية», تأسّست في العام/ 1966, وهي منشورة في موقع «عرب 48» في الداخل الفلسطيني). وفيها يُضيء الكاتب على مسيرة مجرم الحرب/نتنياهو, منذ بروزه على الساحة السياسية, رابطاً ذلك بالتحوّلات الدراماتيكية التي شهدها الكيان العنصري, على الأصعدة كافة, وبخاصة بعد «الانقلاب الانتخابي» الذي قاده الإرهابي/مناحيم بيغن في آيار عام/1977. مُطيحاً «حزب العمل, الذي واصلَ الحُكم منذ النكبة الفلسطينية حتى ذلك اليوم, الذي جاء بتحالف أحزاب اليمين الفاشي إلى السلطة, ولمّا يزل في المشهد منذ ذلك الحين.

نُضيف: أن تبنّي العقيدة «النيوليبرالية» بالنسبة لحزب الليكود الصهيوني, كان يهدف (كما لفت لارون) في المقام الأول, إلى اكتساب السُلطة المُؤسسية. كان زعماء الليكود، على سبيل المثال يعرِفون الخبير الاقتصادي/ميلتون فريدمان, اقتصادي أميركي بارز, وأحد أهم الشخصيات في مدرسة «شيكاغو للاقتصاد». عُرف بدفاعه عن اقتصاد السوق الحُر ورفضه للتدخّل الحكومي في الاقتصاد. حصلَ على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام/1976 تقديراً لأبحاثه حول تحليل الاستهلاك، والسياسة النقدية، وتعقيد سياسة الاستقرار. أدّى فريدمان دوراً محورياً في نشر أفكار الليبرالية الاقتصادية، وكان له تأثير كبير على سياسات العديد من الحكومات، بما في ذلك إدارة «ريغان» في أميركا و"تاتشر» في إنجلترا, دعوه إلى إسرائيل عام/1977, للمساعدة في «الترويج للنيوليبرالية للجمهور الإسرائيلي». لكنهم ـ أردفَ الكاتب ـ تجاهلوا «النصيحة» التي قدّمها لهم خلال إقامته القصيرة. وفي عملية من التجربة والخطأ، تبنّت قيادة الليكود المبادئ النيوليبرالية للحُكم، لأنها قدّمت نموذجاً جاهزاً لـِ«لاستيلاء على المؤسسات التي أنشأها حزب العمل»، وسيطرَ عليها حتى عام/1977 أو لتحطيمها. لقد كانت ثورة ـ واصلَ لارون ـ مُوجهة بالممارسات البيروقراطية والسياسية، وليس بخريطة طريق ايديولوجي.

ما «الخسائر» التي ترتّبت على انتهاج «الليكود»... «الليبرالية الاقتصادية»؟.

كانت «إسرائيل» عندما بدأت تلك الثورة, تتمتّع بأعلى درجات «المساواة الاجتماعية في العالَم»، وأصبحت اليوم ـ يقول الكاتب ــ واحدة من أكثر البلدان التي «تُعاني من انعدام المساواة»، حيث تكاد «الفوارق في الدخل» تُساوي تلك الموجودة في الولايات المتحدة، أكبر راعٍ لها. أشرفَ «الليكود» على تنفيذ هذه السيرورة، رغم «إدّعائهِ طوال الوقت, بأنه يُمثل المحرومين ويحصل على أصواتهم باستمرار». احتجّت البرجوازية المؤيدة لحزب العمل ـ يُضيف الكاتب ـ بشدّة على حُكم الليكود، حتى في الوقت الذي استفادت فيه من الإصلاحات النيوليبرالية التي نفّذها. وفي واقع الأمر، وخلال الفترات القصيرة التي «تولّى فيها حزب العمل السلطة، طبّق المبادئ النيوليبرالية بقوة أكبر من الليكود». وفي حين عرضَ الليكود على الأقل دفعات أساسية, تُعوِّض إلى حد ما عن الحرمان الذي عانى منه، «طَالبَ اليسار الإسرائيلي بإلغاء آليات التعويض هذه». هذا هو «الهيكل ـ يلَخص لارون بداية نتنياهو ـ الذي دخلَ إليه نتنياهو, أوائل تسعينيات القرن العشرين، وهكذا كانت قواعد اللعبة التي تعلّم اللعِب بها إلى حد الكمال».

يُشكّل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية «الموضوع الرئيس» في هذه القصة، وذلك ـ يستطرِد لارون ـ لـِ(وجودِ «علاقة تكافلية» بين النيوليبرالية والاستعمار). كانت النيوليبرالية الإسرائيلية قاسية ووحشية للغاية؛ لأنها «استطاعت إستخدام الأراضي المُصادرة على نحوٍ غير قانوني في الضفة الغربية, بوصفها صمّام أمان اجتماعي». وبدورها، «ساهمت النيوليبرالية الإسرائيلية, في تشكيل معالم الاستعمار الإسرائيلي في الضفة الغربية». وكثيراً ما تسبّبت الصراعات مع الفلسطينيين في حدوث صدمات اقتصادية. وقد استغل النيوليبراليون الإسرائيليون هذه الظروف، حيث تبنوا «مبدأ الصدمَة» لإجراء تخفيضات أعمق, في الميزانية وخصخصة أجزاء أكبر من الاقتصاد. رغم أن «مشروع المُستوطنات كان في بداياته، إلا أنه بدا منفصلًا عن الواقع الديمقراطي (نسبيًا) في إسرائيل». وعلى نحو مُتزايد، أصبحت أساليب الحُكم التي أدامت الاحتلال في الضفة الغربية, مُستوردة من النيوليبرالية الإسرائيلية. وقد أصبحت هذه الديناميكية واضحة وضوح الشمس بعد تفشّي جائحة كوفيد ــ 19.

يُساعِد كل ما سبق ـ يلفِتُ الكاتب ـ في الإجابة, على أحد الألغاز المركزية في التاريخ السياسي الإسرائيلي: كيف نجحَ نتنياهو في التشبُّث بالسلطة لسنوات عديدة, واكتساب ثقة أغلبية ضئيلة من الإسرائيليين؟. لماذا يستمر جزء كبير من الشعب الإسرائيلي في دعم نتنياهو,على الرغم من فشل سياساته، وخاصة منذ عام/2022؟. يكمن «مفتاح» هذا اللغز ـ يُجيبُ لارون ــ في «المزيج الناجح» الذي نجحَ حزب الليكود في تحقيقه, من خلال «الجمع بين الاقتصاد النيوليبرالي والسياسة الزبائنية». إذ عمِلَ الليكود من «خلال تفكيك دولة الرفاهية»،على خلق قطاعات في المجتمع الإسرائيلي تعتمِد على حُكمه». وتتمتع هذه القطاعات بـ(القُدرة على الوصول إلى آليات التعويض, مثل «السكن الرخيص في الضفة الغربية», وإعانات الأطفال السَخِّية).

ماذا بعد؟... نُكمِل غداً. ــ الراي

kharroub@jpf.com.jo

مواضيع قد تهمك