الأخبار

د . صلاح جرار : الإعلام الصهيوني وحكاية اليد الطولى

د . صلاح جرار : الإعلام الصهيوني وحكاية اليد الطولى
أخبارنا :  

منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2023 والإعلام الصهيوني لا يكفّ عن بثّ تهديدات الساسة الصهاينة للدول العربيّة والإسلامية وغيرها والتلويح بما يسمّونه يد دولة الاحتلال الطولى التي تستطيع الوصول إلى أيّ عدوٍّ لها أو أيّ تهديد في أيّ مكان من الأرض مهما قرب أو بعد، حتّى أصبحت كلمة (اليد) كلمة محورية في السياسة الصهيونية وفي الإعلام الصهيوني؛ فإذا سمعوا تهديداً من دولة أو تنظيم أو جهةٍ قالوا: سنقطع اليد التي تمتد إلينا، وإذا وقع عليهم هجوم من أي بلد يبعد عن مستوطناتهم مسافة بعيدة يقولون: إنّ يدنا طويلة وتستطيع أن تصل إلى كلّ مكان، وإذا نجحوا في تنفيذ عملية اغتيال لأي زعيم أو مسؤول عسكريّ في أيّ مكان نتيجة الإخباريات التي يزوّدهم بها جواسيسهم وعملاؤهم ومخبروهم قالوا: إنّ لنا اليد العليا في هذه الحرب التي نخوضها، وإذا وصلت طائراتهم إلى بلدٍ ما وقصفت موقعاً أو قاعدة أو حتّى قارباً لصيد السمك قالوا: سنواصل الضرب بيد من حديد، وإذا أوجعتهم عمليةٌ من العمليات التي ينفذها رجال المقاومة ولم يستطيعوا الوصول إلى المنفّذ قالوا: سنواصل قطع الأذرع الإيرانية، وإذا تغلّب نتنياهو على خصومه السياسيين في أزمة سياسيّة ما قال: سوف نسير يداً بيد، ويقول: يد الله معنا، وإذا ارتكب الصهاينة جريمة مروّعة أنكروها بالقول: ليس لنا يدٌ في ذلك، وفي مفاوضات الصهاينة مع الفلسطينيين لتبادل الأسرى يقول الصهاينة إنهم لا يريدون إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذين تلطخت أيديهم بالدم اليهودي، وفي حديثهم عن أكذوبة السلام يقولون: من يمدّ يده لنا بالسلام نرحّب به، وهكذا.

إنّ استخدام الإعلام الصهيوني لكلمة (اليد) هو تعبيرٌ في اللاوعي الصهيوني عن العدوانية المفرطة التي تغذّي هذا السلوك الوحشي الإجرامي الذي يقومون به ضدّ البشر والحجر والشجر في غزّة والضفّة الغربيّة ويريدون توسيعه إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن وغيرها. لأنّ اليد هي رمز للعمل وليس للتفكير.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الكيان الصهيوني، بما يملكه من طائرات حربية وصواريخ متطوّرة وذخائر نوعية ووسائل استخبارية ناجحة ودعم عالمي معلوماتي ومالي وعسكري وسياسي، يستطيع أن يمتلك يداً طويلة ينفّذ بها خططه الإجراميّة. لكن علينا ألا ننسى للحظة واحدة أنّ لغيره أيضاً أيادي تستطيع الوصول بها إليه وضربه وإلحاق أشدّ الأضرار به رغم قوّة أجهزته الاستخبارية، ويكفي دليلاً على ذلك أنّ المقاومة الفلسطينية في غزّة ما زالت، على الرغم ممّا يتعرّض له القطاع منذ أكثر من (450) يوماً من القصف والتدمير والتجويع والحصار، تنفذ كلّ يوم عمليّات نوعيّة في الجيش الصهيوني وتذلّ عساكره وتطلق الصواريخ على مستوطناته، إنّها يد المقاومة الطويلة والمؤثرة والمبدعة وهي اليد العليا، ولا يستطيع العدوّ الصهيوني أن ينكر ذلك مهما تكتّم على خسائره في الجنود والآليات.

وما الذي يمكن أن نطلق عليه سوى اليد اليمنية الطويلة عندما تصل صواريخ اليمنيين الفرط صوتية إلى تل أبيب ويافا والقدس وتدفع كلّ ليلة بملايين المستوطنين إلى الملاجئ؟ وما الذي يمكن أن نطلقه على العمليات المعقدة والمركبة الناجحة التي ينفذها أبطال المقاومة في الضفّة الغربيّة ضدّ جنود الاحتلال ومستوطنيه؟ ألا يعني ذلك أن للمقاومة في الضفّة الغربيّة يداً طويلة تستطيع الوصول بها إلى أوكار الاحتلال على الرغم ممّا لدى هذا الاحتلال من وسائل مراقبة وتجسّس ورصدٍ وملاحقة لهؤلاء الأبطال؟

وما الذي يعنيه أن تصل صواريخ المقاومة اللبنانية إلى غرفة نوم نتنياهو سوى أنّ للمقاومة اللبنانية يداً طويلة؟ إلى غير ذلك من الشواهد التي لا تحصى والتي تؤكّد أن الكيان الصهيوني ليس وحده الذي يملك يداً طولى وإنْ كانت يده أطول من يد غيره بما يملك من وسائل ومن دعم يتفوّق بها على غيره، لكنّ إثبات هذا العدوّ لطول يده يعتمد على وسائل فيها الكثير من الخسّة والدناءة، فكلّما تلقى صفعةً من أيّ جهة أغار بطائراته على المدنيّين والنازحين من الأطفال والنساء في غزّة وفي أيّ مكان وارتكب مجزرة ضدّهم ليقول إنّ له اليد العليا، وفي مقياسه لليد العليا هذا يمكن القول إنّ أيّ شخص يملك ولو سكّيناً يهدّد بها المدنيّين العزل يستطيع أن يثبت أنّ له اليد العليا أو اليد الطولى.

إنّ ما يقوم به الصهاينة من انتقام وحشيّ ضدّ المدنيين بعد كل صفعة يتلقونها ليس دليلاً على أنهم أصحاب اليد الطولى، بل دليل صارخ على أنّهم أصحاب يد قصيرة، ولا يكونون أصحاب يد طويلة إلاّ بسرقتهم الأرض وقصفهم المدارس والمستشفيات.

ولئن كانت اليد الطولى للكيان الصهيوني المتسلّحة بالذكاء الصناعي والقدرات الاستخبارية الفائقة والتسليح الغربي تستطيع الوصول إلى بعض أعداء الكيان الذين يهاجمونه، إلاّ أنّ هذه اليد لا تستطيع منع وصول أيادي رجال المقاومة إلى الاحتلال وإيقاع قتلى وجرحى بين صفوفه، وهذا ما يفقد الاحتلال قيمة طول يده التي يتباهى بها دائماً.

وما دمنا نتحدث عن الأيدي والأذرع، وبسبب ما يملكه الاحتلال الصهيوني من القوّة التي هي ليست قوّة ذاتيّة بل قوّة مستوردة من الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص يمكن القول إن (إسرائيل) نفسها هي ذراعٌ أمريكيّة في المنطقة ويدها التي تسرق بها وطن الآخرين وتبطش بها أهل فلسطين، وأن عقوبة اليد السارقة هي القطع وعقوبة الذراع المعتدية هي الاستئصال. أما اليد العليا الحقيقية فهي يد أصحاب الحقّ الذين ابتلاهم الله تعالى بهذا الاحتلال الذي لا بدّ له من نهاية وزوال مهما تبجّج بالقوّة والعظمة والقدرة وطول اليد.

Salahjarrar@hotmail.com

مواضيع قد تهمك