هاني الهزايمة : ترامب يصعّد التوترات في غزة: تهديدات أحادية تتجاهل جذور الصراع الفلسطيني
تكشف تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الأخيرة بشأن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة عن نمط مقلق من الدعم الأحادي لإسرائيل، وتجاهل السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. تحذيراته التي تضمنت عواقب وخيمة إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن قبل توليه منصبه تعكس انحيازاً واضحاً يركز على الروايات الإسرائيلية، متجاهلاً الحقوق والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا النوع من الخطاب لا يؤدي إلا إلى تصعيد التوترات واستمرار دائرة العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
لفهم تهديدات ترامب، يجب وضعها في إطار الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية. الوضع في غزة ليس حادثة معزولة، بل هو نتاج عقود من القمع المنهجي، مصادرة الأراضي، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. قضية الأسرى، سواء المحتجزون في غزة أو في السجون الإسرائيلية، تجسد النضال الفلسطيني الأوسع من أجل العدالة والحرية.
تحتجز إسرائيل آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء والنشطاء السياسيون، غالباً دون توجيه تهم أو محاكمات، تحت ذريعة «الاعتقال الإداري». هذا الإجراء يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. ويُعامل هؤلاء الأسرى غالباً معاملة غير إنسانية، تشمل التعذيب، العزل الانفرادي، والحرمان من حقوقهم الأساسية. معاناة هؤلاء الأسرى هي نقطة محورية للنضال الفلسطيني، حيث يعتبر إطلاق سراحهم مطلباً أساسياً لتحقيق العدالة.
ولا يمكن فصل الوضع في غزة عن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 16 عاماً، والذي حول القطاع إلى ما يشبه «السجن المفتوح». يعاني سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من قيود صارمة على الحركة، وحرمان من السلع الأساسية، وفرص اقتصادية محدودة. هذا العقاب الجماعي خلق كارثة إنسانية تتمثل في انتشار الفقر، البطالة، وانهيار البنية التحتية. فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل على هذه السياسات شجعها على مواصلة ممارساتها دون أي عواقب.
خطاب ترامب، الذي يطالب بالإفراج الفوري عن الرهائن، يحمل مشكلات متعددة. أولاً، يتجاهل هذا الخطاب عدم التوازن في القوة والمسؤولية بين الطرفين. من خلال تحميل غزة وحدها المسؤولية وتهديدها بعواقب وخيمة، يعزز ترامب رواية تهمّش الفلسطينيين وتبرئ إسرائيل من دورها في تأجيج الأزمة.
ثانياً، استخدام لغة التهديد والإنذارات يزيد من تفاقم الوضع المتوتر أصلاً. تصريحات مثل «الجحيم» لا تؤدي إلا إلى تأجيج العداوات، مما يقوض الجهود الرامية إلى تحقيق حل سلمي. التهديدات والإكراه نادراً ما تؤدي إلى نتائج إيجابية، خاصة في منطقة مليئة بالمظالم التاريخية مثل الشرق الأوسط.
أخيراً، الدعم غير المشروط الذي يقدمه ترامب لإسرائيل، كما يتضح من إعلانه أنه «أفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق»، يثير تساؤلات جدية حول دور الولايات المتحدة كوسيط نزيه. سجل إدارته، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتأييد المستوطنات غير القانونية، عزز الاحتلال وعزل الفلسطينيين، مما أضعف مصداقية الولايات المتحدة كوسيط في الصراع.
إذا كان المجتمع الدولي جاداً في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فعليه معالجة جذور هذا الصراع بدلاً من الاعتماد على التهديدات والسياسات الأحادية. الحل العادل والمستدام يتطلب إنهاء الاحتلال، تفكيك المستوطنات غير القانونية، رفع الحصار عن غزة، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
كما أن قضية الأسرى يجب أن تكون جزءاً من جهد أوسع لدعم حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي. إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يجب أن يكون أولوية، إلى جانب ضمان المعاملة الإنسانية لجميع المحتجزين. وبالمثل، أي قضايا تتعلق بالرهائن في غزة يجب أن تُحل من خلال الحوار والتفاوض بدلاً من التهديدات أو التصعيد العسكري.
في مواجهة تهديدات ترامب والتحديات الناتجة عن الاحتلال، يجب على الفلسطينيين تعزيز الوحدة والصمود. الانقسام السياسي بين الفصائل، خاصة بين فتح وحماس، يشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق الأهداف الوطنية. المصالحة الوطنية ضرورة لتقديم جبهة موحدة في النضال من أجل التحرير.
في الوقت نفسه، يجب على الفلسطينيين استغلال المنصات الدولية لتضخيم أصواتهم وبناء تحالفات مع الحركات العالمية للعدالة وحقوق الإنسان. حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تمثل أداة فعالة لتسليط الضوء على انتهاكات إسرائيل والضغط على الحكومات والشركات لاتخاذ موقف ضد الاحتلال والفصل العنصري.
تهديدات دونالد ترامب تذكّرنا بالتحديات التي تواجه الفلسطينيين وحلفاءهم في السعي لتحقيق العدالة. لكنها تمثل أيضاً دعوة للعمل لجميع المؤمنين بمبادئ المساواة، حقوق الإنسان، والقانون الدولي. الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط يكمن في معالجة جذور الصراع وضمان العدالة للجميع.
على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته بمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، ودعم تطلعات الفلسطينيين للحرية والدولة المستقلة. في الوقت نفسه، يجب على الفلسطينيين مواصلة نضالهم بعزيمة ووحدة. من خلال جهد جماعي، يمكن كسر دائرة العنف والظلم، وفتح الطريق نحو مستقبل من السلام والعدالة.
ــ الراي