الأخبار

عمر كلاب: فيروس ترامب يخترق العالم

عمر كلاب: فيروس ترامب يخترق العالم
أخبارنا :  

بهدوء 

عمر كلاب :

بمصادقة الكونجرس الأمريكي أمس على نتائج الانتخابات، بات ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، وبشخصيته وسلوكه وتصريحاته، يؤكد الرجل بأنه خارج سياق المنظومة الأمريكية المألوفة. فهو فردي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أي أقرب إلى نماذج الزعامات الشرق أوسطية منه إلى النماذج الغربية التقليدية. ولذلك يجب قراءة فترته القادمة بنظرة فيها مقاربة بين الفرد والمؤسسة. «الفرد في مواجهة المؤسسة» واحدة من أهم معضلات السياسة في تاريخها. مع قرارات الفرد قد يأتي الإبداع والحلول المبتكرة التي عادة ما تقاومها المؤسسات، ولكن مع قرارات الفرد أيضًا قد تأتي المغامرات غير المحسوبة والقرارات الخاطئة التي تسعى المؤسسات للحد منها. المؤسسية، وتغليب نظرية تعدد مراكز صنع القرار وتوازنها ورقابتها المتبادلة، وعدم تركز القرار في يد شخص محدد يأمر والباقي يطيع ولا يستطيع أن يعارض أو يستأنف أو ينقض. المؤسسية بهذا المعنى قد أصبحت واحدة من سمات المجتمعات المتقدمة لأنها تعني كذلك «الرشادة» في عملية صنع القرار، ومنع تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على الصالح العام. ولتوضيح الصورة أكثر، فإن الفرد الحاكم في المجتمعات المتخلفة (أي غير الصناعية وغير الديمقراطية وغير المؤسسية) كمن يقود سفينة يستطيع أن يتوجه بها في أي اتجاه شرقًا أو غربًا، جنوبًا أو شمالاً. لا قيود عليه إلا ما يضع على نفسه. أما في الدول الراسخة في الديمقراطية، فإن الحاكم أقرب إلى قائد قطار يسير على قضبان محددة سلفًا، له مساحة من الحركة في حدود ما هو مقبول سلفًا ومخطط مسبقًا. يستطيع أن يزيد السرعة أو أن يقللها، أن يقف في محطة أو أن يتجاوزها. وحتى حين يخرج على القضبان، فعليه أن يصنع قضبانًا غيرها، وإن لم يستطع أن يتواكب مع القضبان، فالانتخابات مقبلة وفيها يتحول الحاكم إلى محكوم والمحكوم إلى حاكم. «ترامب» مختلف، هو يريد أن يقود سفينة محكومًا لها أن تكون على قضبان. هو يتحدى الثوابت، ويرى في نفسه أنه الشخص الذي جاء ليقضي على السياسة المعهودة في واشنطن، وأن من انتخبوه حمّلوه هذه المسؤولية كي يقضي على طريقة اتخاذ القرار الموروثة في مؤسسات الدولة. هو أشبه بفيروس دخل على نظام التشغيل الأمريكي، والآن هناك اختبار كبير لمدى مناعة النظام الأمريكي ضد النزعة الانفرادية في السلطة. لا توجد عنده مشكلة كبيرة في أن يطلق أحكامًا عنصرية وطائفية ومهينة على فئات كثيرة من غير البيض الأمريكيين. يدخل في سياسة مضادة ومناقضة تمامًا لما كان عليه سابقوه وكأن هذا هو سر نجاحه. هو ليس رجلاً رأسماليًا بالمعنى التقليدي للرأسمالية الأمريكية، التي جاءت مع المؤسسين الكبار للاقتصاد الأمريكي. مصادر دخله في معظمها من السمسرة والترفيه وبناء الفنادق والكازينوهات ومسابقات الجمال وبرامج التلفزيون والراديو. هو أقرب إلى شخص هوائي مغامر يعشق الخروج على القواعد وينتشي بأن يكون شاذًا، ولا يمكن توقع كلامه أو سلوكه. اكتساب العداوات بالنسبة له متعة شخصية لأنه يظن أنه أذكى من الجميع. جزء من تحليل شخصيته يشير إلى أن لديه اضطرابات شخصية من النوع «ب» بما يشمله من شخصية دراماتيكية حدية نرجسية. في الدول المتخلفة، عادة ما يكون علم النفس السياسي الذي يهتم بشخصية الزعيم وطفولته وعقده وتركيبته الشخصية هو أهم العلوم، لأنك لو عرفت ما يريده الزعيم فستعرف نسبة غالبة من تفاعلات السياسة في البلاد. في الدول المتقدمة، عادة ما يتراجع علم النفس السياسي قليلاً ليعطي مساحة أكبر لدراسة المؤسسات، وصراع القوى السياسية في المجتمع وتوزيعها في مؤسسات صنع القرار لنفهم تفاعلات السياسة في البلاد. «ترامب» يمثل حالة سيكون فيها الاهتمام بشخصه، لا يقل أهمية عن دراسة المؤسسات، لأنه وضع نفسه فوق هذه المؤسسات. والمؤسسات إما أن تنتصر أو أن تُهزم. وكلمة السر ستكون ممثلي الحزب الجمهوري في مجلسي الكونجرس، فإما أن ينتصروا للتقاليد الأمريكية، أو أن ينتصروا للغوغائية الترامبية.

ــ الانباط

مواضيع قد تهمك