حسام الحوراني : المسرح والذكاء الاصطناعي: تجربة فنية غامرة للمستقبل
المسرح كان ولا يزال مرآة للإنسانية، يعكس مشاعرنا، أفكارنا، وصراعاتنا، ولكن في عصر التكنولوجيا المتسارعة، يظهر سؤال جديد: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تعريف التجربة المسرحية؟ بينما تبدو الخشبة مكاناً للتعبير الإنساني الخالص، يدخل الذكاء الاصطناعي كأداة لتحويل هذا الفن إلى تجربة غامرة وغير مسبوقة، تربط بين الإبداع البشري وقوة التكنولوجيا الحديثة.
مع تطور الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تصميم عروض مسرحية تفاعلية تستجيب للجمهور في الوقت الفعلي. تخيل عرضاً مسرحياً يستطيع تعديل مساره وفقاً لتفاعل الجمهور، حيث تُحلل تعبيرات الوجه، وتُقرأ ردود الفعل، لتقرر الشخصيات مسار القصة. هذه الإمكانية تمنح الجمهور دوراً غير مسبوق في تشكيل الأحداث، مما يجعل التجربة أكثر حيوية وارتباطاً بالشخصية الإنسانية.
في كتابة النصوص، يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي دور كبير. يستطيع هذا الذكاء تحليل آلاف النصوص المسرحية الكلاسيكية والحديثة، واستنتاج الأنماط والأساليب التي تميز كل كاتب، ومن ثم إنشاء نصوص جديدة تعكس تلك الأساليب أو تدمج بينها. بل أكثر من ذلك، يمكن أن يُبتكر أسلوب جديد بالكامل يمزج بين التجربة البشرية والتصورات التي يخلقها الذكاء الاصطناعي.
الإضاءة والصوتيات في المسرح شهدت بالفعل تحسناً كبيراً باستخدام التكنولوجيا، ولكن مع الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذه العناصر أن تصبح أكثر دقة وتفاعلاً. يمكن للإضاءة أن تتغير بناءً على المشاعر التي يلتقطها الذكاء الاصطناعي من الجمهور، أو أن تتكيف الموسيقى مع اللحظات الحاسمة في العرض، مما يعزز من التأثير العاطفي للمسرحية.
أما على مستوى الأداء، فإن الممثل الرقمي أصبح حقيقة. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تصميم شخصيات افتراضية تمتلك القدرة على التفاعل مع الممثلين والجمهور. يمكن لهذه الشخصيات أن تؤدي أدواراً معقدة، وتحمل في طياتها مشاعر وعواطف مصطنعة تبدو حقيقية.
في جانب آخر، يتيح الذكاء الاصطناعي إعادة إحياء النصوص المسرحية الكلاسيكية بأسلوب عصري. يمكن استخدام الحوسبة الكمية لإعادة بناء مشاهد معقدة أو لإضفاء أبعاد بصرية مبتكرة على النصوص القديمة، مما يمنح الجمهور تجربة جديدة للأعمال التي قد تكون مألوفة لهم.
الإدارة المسرحية أيضاً ليست بمنأى عن تأثير الذكاء الاصطناعي. يمكن استخدامه لتحديد أفضل توقيت للعروض، تحليل بيانات الجمهور، وتخصيص التجربة بناءً على التفضيلات الفردية. يمكنه حتى التنبؤ بنجاح العروض استناداً إلى معطيات مثل القصة، والممثلين، والموقع، مما يساعد المنتجين على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.
رغم كل هذه الإمكانيات، يظل هناك سؤال جوهري: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بديلاً للإبداع البشري؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تهميش المبدعين الحقيقيين؟المسرح هو فن ينبع من الروح الإنسانية، ومن تفاعل البشر مع بعضهم البعض، وعلى الرغم من أن التكنولوجيا يمكن أن تعزز هذا الفن، إلا أن الجوهر الإنساني يظل غير قابل للاستبدال. ربما يكون المستقبل هو التعاون بين الإنسان والآلة، حيث يستخدم المبدعون الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لإطلاق العنان لإبداعهم.
المسرح والذكاء الاصطناعي ليسا متضادين، بل يمكن أن يكونا شريكين في خلق تجربة فنية فريدة. بينما يستمر العالم في تبني التكنولوجيا، يظل المسرح منصة للتواصل الإنساني العميق، والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون الجسر الذي يعبر بنا إلى مستقبل لا حدود فيه للإبداع.
* خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
ــ الدستور