د. صلاح العبادي : ماذا تحمل زيارة الشيباني إلى عمّان من دلالات؟
عكست زيارة وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة، على رأس وفد رفيع المستوى، أهمية الدور الذي تقوم به المملكة، من دعم وإسناد للشعب السوري الشقيق.
جاءت الزيارة لتؤكد عمق العلاقات المشتركة، ودعم الأردن لاستقرار سوريا على الصعد الأمنيّة والاقتصاديّة.
ويتطلع الشيباني عبر هذه الزيارات إلى المساهمة بدعم الاستقرار، والأمن، والانتعاش الاقتصادي، وبناء شراكات متميزة مع المملكة.
كما أن الإدارة السورية الجديدة حرصت منذ مباشرة مهامها، بالتواصل والانفتاح على الدول العربية، لطمأنتهم بأن سوريا لم تعد منصّة لإقلاق الدول العربية، كما كانت في عهد نظام الأسد الذي امتد حكمه لنحو 53 عاماً.
الإدارة السوريّة الجديدة أرادت بهذه الزيارة أن تعكس عمق العلاقات بين البلدين، وإيصال رسائل سياسيّة واضحة؛ أولى هذه الدلالات بأن المملكة الأردنيّة الهاشميّة هي الأقرب إلى الأشقاء في سوريا، منذ سنوات طويلة، بحكم مرتكزات عدّة؛ كان أبرزها الجوار؛ حيث يمتد شريط حدودي بين البلدين إلى نحو 375 كم، عدا عن الترابط والتداخل بين العائلات في المناطق الحدودية بين البلدين، والمصاهرة والنسب.
منذ سقوط نظام بشار الأسد، كان الأردن السبّاق بإرسال المساعدات الإنسانيّة والإغاثيّة إلى الشعب السوري الشقيق. فبعد التوجيهات الملكيّة الساميّة سارع الأردن بإرسال قوافل من المساعدات الإنسانية التي بلغت نحو ما يزيد عن 250 طناً من المساعدات، تبعها تجهيز قوافل من المساعدات الأخرى تجاوزت نحو 200 طن من المساعدات، التي تعكس طبيعة العلاقات بين البلدين، والموقف الأردني الداعم إلى الأشقاء السوريين.
الأردن الذي استقبل ما يزيد عن مليوني لاجئ سوري منذ العام 2011، وفتح لهم أبوابه للعيش بأمن وسلام، كان هو السبّاق في الوقوف إلى جانب الشعب السوري.
كما أنّ الأردن كان ولا يزال الأصدق فعلاً في الوقوف إلى جانب الأشقاء، فعمل على حوكمة ملف اللاجئين والوقوف إلى جانبهم على الصعيد الإنساني. والموقف السياسي للأردن كان في غاية الوضوح عندما كان يدعو إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 والمتمثل في الوصول إلى تسويّة سياسيّة للأزمة.
وما أنّ سقط نظام الأسد المخلوع، حتى هبّ الأردن بتسخير قدراته لخدمة الجارة سوريا.
نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي كان أول وزير خارجيّة لدولة عربية يزور سوريا؛ تعبيراً عن الموقف الأردني الداعم للأشقاء على مختلف الصعد؛ إذا زارها في الثالث والعشرين من شهر كانون أول الماضي وهو ما لاقى ترحيباً واضحاّ من قبل الإدارة السوريّة الجديدة.
وأكد أنّ المملكة تدعم الشعب السوري في مرحلة انتقالية بعد سنوات من القتل والتشريد والدمار، ليصل إلى مرحلة مستقبلية يكون فيها نظام سياسي جديد يبنيه السوريون، ويحمي حقوق كل السوريين.
كما أنّ المملكة استضافت في الرابع عشر من شهر كانون أول الماضي، اجتماعاً حول سوريا بمشاركة وزراء خارجية 8 دول عربية والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ممثل للأمم المتحدة. وعادت حركة التبادل التجاري بين البلدين في العشرين من شهر كانون أول الماضي، وبلغ عدد الشاحنات الأردنية التي عبرت الحدود باتجاه سوريا ومحملة بالبضائع أكثر من 600 شاحنة.
فالأردن بدأ بإجراءات لتزويد سوريا بجزء من الطاقة الكهربائية اللازمة لها؛ بناء على طلب الجانب السوري، الأمر الذي دفع الجانب الأردني ليباشر بالإجراءات الفنية لتزويد معبر نصيب الحدودي باحتياجاته من الطاقة الكهربائية.
يقيم في المملكة حالياً نحو 1.3 مليون سوري، منهم أقل من 15 في المائة في مخيمات اللجوء السوري.
ويلتحق نحو 160 ألف طالب وطالبة منهم في مدارس وزارة التربية والتعليم، ومنذ حوكمة ملف اللاجئيين السوريين، منحت وزارة العمل نحو 100 ألف تصريح عمل للسوريين، للسماح بانخراطهم في سوق العمل الأردني وفقاً للإجراءات القانونية المتبعة.
كما أن نحو 250 ألف طفل وُلدوا على أرض المملكة؛ إذ أنّ هذه الأرقام تظهر العبء الذي تحمّلته المملكة منذ بداية أزمة اللجوء السوري إلى المملكة وحتى وقتنا الحالي، على حساب موازنة المملكة، التي تعاني من مديونيّة جرّاء توفير خدمات الرعاية الصحيّة والتعليميّة، في وقت لم تشكّل فيه الاستجابة الدولية للدول المستضيفة للاجئين السوريين حلولاً اقتصادية تنموية مستدامة.
من حق المملكة أن تضمن مصالحها في ظل أي تطورات تشهدها الساحة السورية، خصوصاً في ظل اتصال جغرافي، شكّل إرهاقاً عسكرياً وأمنياً للأردن أمام علنية استهداف الميليشيات المتعددة الانتماءات في الجنوب السوري للأمن الأردني خلال سنوات مضت، واستمرار عمليات تهريب المخدرات، ومواجهة خطر الطائرات المسيّرة التي تحمل المخدرات، إضافة إلى اسقاط عدد منها، كانت تحمل مواد متفجرة.
وللتذكير، في العام 2019 كان مؤتمر لندن الذي كان يهدف إلى دعم اللاجئين في سوريا وفي دول الجوار المستضيفة لهم بما في ذلك الأردن.
انتهى المؤتمر ومرّت سنوات وتخلّت الكثير من الدول عن مسؤوليتها تجاه تقديم المنح والمساعدات للدول المستضيفة لهم، وبقي الأردن وحيداً يواجه تبعات استضافة اللاجئيين، حتى بلغت نسبة المساعدات والمنح الموجهة للأردن على هذا الصعيد دون الـ7 بالمئة؛ وهي لا تفي بجزء يسير من تبعات استضافتهم.
ــ الراي