الأخبار

بشار جرار : «قرطسها» بمعرفتك!

بشار جرار : «قرطسها» بمعرفتك!
أخبارنا :  

لا علاقة بالكلام بتعبير «الأرطسة» كناية عن الاستغفال كما في اللهجة المصرية، والتي من درجاتها استبدال القرطاس بالـ «العِمِّة» أو السُّلطانية! الحديث هنا مقصور على القرطاسية، تحديدا تلك المقرونة بالروزنامة.
هذه الأخيرة فارسية الأصل، أما الأولى فأصلها ومنبتها يونانيّ وهي الاسم «خارتس»، ومنها صارت باللغات اللاتينية «تشارت» بمعنى اللائحة أو القائمة، حتى صارت تعني بالإنجليزية ما هو أكثر وأشمل، «ستيشِنِري»، وكأن المراد منها اتخاذ القرطاسية كمنصة انطلاق، لأخذ الموقع المناسب، موقع وموقف الاستعداد لما هو آت من أيام العام الجديد، اتّبع شاري القرطاسية التقويم الميلادي أو الهجري أو اعتمد رأس السنة الصينية لا فرق، فالأمر سيّان من حيث عدد ساعات اليوم التي تصلنا بالتمام والكمال أربعة وعشرين قريطا -ساعة- على «دوزْ بارَة» والبارة لم تعد تحصى بالدقيقة ولا الثانية، بل بالفيمتو ثانية (واحد على كوادريليون أي واحد على مليون مليار من الثانية)، والنانو ثانية (كما نسبة الثانية إلى إحدى وثلاثين سنة وواحد وسبعين بالمئة)!!
أحرص نهاية كل عام على اصطحاب أسرتي لأسواق عيد الميلاد المجيد ورأس السنة المباركة لانتقاء روزنامة العام الجديد. وقد أبدعت الشركات في تنوعها شكلا ومضمونا، خاصة تلك القائمة على القرطاسية المتحالفة تسويقيا مع منتجات أخرى منها التجاري الاستهلاكي البحت، ومنها الترويجي المتدرج من الروحي إلى السياسي مرورا بكل اهتمامات الحياة كالصحة والرياضة والسياحة والثقافة والفنون ومنها صناعة الضحك. من المفيد صحيا بدء اليوم وختامه بما يفرح القلب ويضحك الوجه إلى حد القهقهة وإدماع العينين، ولا بأس بشيء من السعال المفيد للجهاز التنفسي!
من الشائع عالميا ارتباط الدعاية بهدايا بعض الشركات والمؤسسات سنويا لزبائنها -أو «عملائها» كما يصر غلاة المتزمتين في الترجمة الحرفية. تغفل تلك الدعاية عن أهم ما وجب التنبيه إليه وهو عد الأيام عدا تغلب عليه صفة الاستعداد لما هو قادم لا الابتهاج بما قد مضى أو الأسف عليه.
من الروزنامات التي تهاديت بها وأسرتي والدائرة الأقرب من المعارف، تلك التي فيها صور المنارات على شواطئ الأمان أو تلك التي تعرض لأمواج البحار والمحيطات في العالم علها تذكر الأفراد والمجتمعات والدول بأن الحياة كما الموج مهما علت لا بد لها من الانبساط حتى تأخذ زخما أقوى أو تندثر على رمال الشطآن بسلام أو تنكسر على صخور مناراتها ومراسيها ومرافئها.

بقية مقال بشارجرار
«قرطسها» بمعرفتك!

والغاية الأهم هي التذكير بأن الأيام لا تقاس فقط بتبدل الليل بالنهار، بل بتغير الفصول. ويا سعد من كانت بلاده تعرف الفصول الأربعة سنويا في مواقيت محددة ترتبط بها الروزنامات الزراعية، وعلى إيقاعها يتم ضبط الأشياء كلها. ثمة إصدار سنوي خاص في بلاد العم سام يعرف باسم «فارمرز ألماناك» وتعود جذوره إلى 1639 في كيمبريدج، بولاية مساشوستس ومن قبلها إلى مينز سنة 1457 -ثمانية أعوام قبل صدور الطبعة الأولى من الكتاب المقدس في مطبعة غوتنبيرغ في ألمانيا. لكن الجذور العميقة تعود في حقيقة الأمر إلى الحضارتين اليونانية والمصرية (القبطية والفرعونية) باعتماد مباشر على علم الفلك وربط السماء بالأرض عبر علوم الزراعة بما فيها الري بأنواعه والتي لا تبقى تحت رحمة النيل ولا الأمطار وحدها.
تطورت القرطاسية بتطور الروزنامات أو العكس. لكن الأمر لم يقتصر على إضافة الصور والاقتباسات لعد الأيام ميلاديا وهجريا على سبيل المثال. صارت الأيام -بحسب موقع من يعد الأيام من الحياة- متخصصة إلى درجة تقسيم ساعات اليوم بما يتيح تسجيل كلمات مفتاحية بعضها للتذكير بما وجب إنجازه وبعضها للتخطيط والتحفيز والإلهام. ولك أن تختار من الصور والكلام ما تريد، المهم تحقيق المراد في بدء اليوم بطاقة إيجابية وروح وثّابة متحفزة للعمل المنتج وفعل الخير والعمل الصالح ولو بابتسامة أو كف الأذى وتحييد الخطر. فكل عام وقرطاسية الجميع بخير، أما الروزنامة فما خرجت يوما واحدا عن معادلة: زَرَعَ... حَصَدَ.. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك