الأخبار

أ. د. اخليف الطراونة يكتب : “التخطيط بين الشمولية وضيق الأفق”

أ. د. اخليف الطراونة يكتب :  “التخطيط بين الشمولية وضيق الأفق”
أخبارنا :  

في مجال تخطيط المدن وإدارة الموارد، تُعد القرارات والسياسات المتبعة حجر الزاوية في تشكيل مستقبل المجتمعات واستدامة الموارد. تختلف المناهج المتبعة في هذا المجال بين رؤية شمولية تراعي مختلف الأبعاد والتحديات، ونهج ضيق الأفق يقتصر على حلول آنية وقرارات أحادية. يمكن لهذه المناهج أن تصنع فارقًا عميقًا في جودة حياة الأفراد واستدامة المدن عبر الزمن، مما يجعل المفارقة بينهما تستحق التحليل والدراسة.

يتميز التخطيط الشمولي وبعد النظر بكونه منهجًا استراتيجيًا يهدف إلى استيعاب جميع الجوانب المؤثرة على المجتمع والبيئة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الاحتياجات الحالية والمستقبلية. هذا النهج يعتمد على إشراك جميع الجهات ذات الصلة، سواء كانوا من الحكومات أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص، مما يخلق بيئة من الشفافية والثقة بين صناع القرار والمجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يتميز التفكير بعيد النظر بقدرته على التنبؤ بالتحديات المستقبلية، مثل تغير المناخ، والنمو السكاني، والتطور التكنولوجي، مما يسمح بتصميم حلول مستدامة تلبي احتياجات الأجيال الحالية والقادمة.

على النقيض من ذلك، يمثل نهج أحادية القرار وضيق الأفق رؤية محدودة تقتصر على معالجة القضايا الآنية دون مراعاة التداعيات بعيدة المدى. هذا الأسلوب يتسم بتركيز السلطة في يد جهة أو فئة واحدة، مع غياب الشفافية وضعف مشاركة الأطراف المختلفة في عملية صنع القرار. كما يؤدي هذا النهج إلى تجاهل التنوع في احتياجات المجتمع، مما يفضي إلى سياسات تفتقر إلى العدالة والكفاءة. القرارات التي تُتخذ في إطار هذا المنهج غالبًا ما تكون قصيرة النظر، ما يؤدي إلى مشكلات هيكلية طويلة الأمد، مثل تدهور البنية التحتية، واستنزاف الموارد، وظهور تحديات بيئية واجتماعية يصعب معالجتها لاحقًا.

الفرق بين النهجين يبدو واضحًا في النتائج المترتبة على كل منهما. التخطيط الشمولي وبعد النظر يحقق نموًا حضريًا مستدامًا ويضمن الاستخدام الأمثل للموارد، بينما يؤدي النهج القائم على أحادية القرار وضيق الأفق إلى أزمات مستمرة وغياب الثقة بين صناع القرار والمجتمعات المحلية. المدن التي تتبنى النهج الشمولي تتمتع بمرونة أكبر في مواجهة التحديات المستقبلية، بعكس تلك التي تعتمد على حلول مؤقتة وسطحية.

ومن هنا، تظهر أهمية تبني نهج التخطيط الشمولي القائم على رؤية طويلة الأمد في إدارة المدن والموارد. إن التغيير المطلوب لا يقتصر على السياسات فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز ثقافة المشاركة والمسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف. المدن التي تطمح إلى تحقيق استدامة حقيقية يجب أن تضع التخطيط الشامل وبعد النظر في صلب استراتيجياتها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا.

والله ولي التوفيق

قطر- الدوحة

مواضيع قد تهمك