حسين بني هاني : كأنك يا أبو محمد الجولاني ما غزيت
يفضّل ترامب وهو يتحدث بالسياسة، استخدم مفاهيم ومصطلحات من عالم الأعمال، إذ بدت تركيا بنظرة في سوريا انها "نفذت سيطرة غير ودية " . ذكّرني هذا الوصف بذاك الذي نفذته ايران في العراق ،غداة الاحتلال الأمريكي لبغداد ، المقارنة بلغة السياسة هنا، تستحضر البدر التركي بدل الهلال الشيعي ، في وقت ينشغل فيه الشرع ومن معه، في تهدئة المجتمع الدولي وطمأنة اقلّيات المجتمع السوري، ولمّ شمل المليشيّات الدولية والمحلية وأبناء القبائل المسلحة ، في جسم عسكري واحد يخضع للقيادة السياسية العليا ، هذا تحدٍ ليس بالأمر السهل أو اليسير.
لا ينقص الادارة السورية اليوم،إلا حديث المجتمع الدولي عن الخاسرين والرابحين في الساحة السورية، إذ تذكّرني نهاية ما وصف بمحور المقاومة، بعد هروب الأسد، بنهاية الحقبة الشيوعيه في اوروبا عام ١٩٨٩ ، مع الفارق بالتشبيه .
اعتقد أن ما يقلق تركيا بعد حيازتها على حليف موثوق في دمشق، هو محاولة إسرائيل بناء نظام في الشرق الاوسط، يربط تل أبيب بشكل وثيق بالدول العربية ، بعيداً عن أنقرة. لاأظن أن إسرائيل السعيدة بما آل إليه هروب الاسد،ستكون كذلك وهي تشاهد صعود البدر التركي ،وهو يحاول تشكيل المشهد الجيوسياسي ،من الصومال إلى بلاد الشام ، هذا وحده كفيل بتعزيز فرص الصدام بين نتنياهو وأردوغان، وترك سوريا ساحة معركة للقوى الاقليمية المتنافسة في المنطقة .
تعرف واشنطن ومعها العرب وإسرائيل، أن سوريا اليوم دولة تواجه جملة من التحديات والقدرة على بناء نواة صلبة، تجمع فرقاء الأمس على اختلاف مشاربهم، اولئك الذين قاتلوا الأسد سنين طويلة، وفق اجندات مختلفة، وتعرف أيضاً انه مطلوب منهم الآن بناء دائرة أوسع من أهل الثورة ،عبر عقد مؤتمر وطني شامل، يجمعهم ويبعدهم عن إستثمار الجهات الخارجية، التي تطمح لبناء نفوذ لها عبرهم، هذا يقتضي التواصل مع مختلف المكونات السورية بتوجهاتها المختلفة، وهو أمر ليس بالسهل عليهم ، في ظل هذا الظرف الاستثنائي، ناهيك عن المرصد الاسرائيلي غير الإنساني لحقوق الأقليات، الذي بات يتبنى بخبث سياسي مطالب الجيبين الكردي والدرزي، الأمر الذي سيفجّر الساحة السورية الحافلة باختلاف الأولويات والمواقف القومية والدينية والطائفية.
خشية أهل المنطقة اليوم، أن يتم استبدال محور بآخر ، وكأنك ياأبو محمد الجولاني ماغزيت، هذا علاوة على خشية واشنطن وتل أبيب ،من توجهات السلطة السورية الجديدة الفكرية، رغم أن واشنطن تعرف تماما ،أنه ما كان للثوار أن يصلوا لدمشق بهذه السهولة لولا توافقها التام مع أنقرة.
لا أعتقد أن الاسلحة السورية التي دمرتها إسرائيل، كانت هي الخطر الاستراتيجي الذي يهدد تل أبيب، فهذه في عرف السياسة مكاسب تكتيكية بالنسبة لسوريا يمكن تعويضها، وأنما الخطر الأهم بالنسبة لها ولواشنطن، هو ذاك الذي سينشأ مع الزمن بعد أن تصبح دمشق قوة جديدة دينية ووطنية.