د . صالح ارشيدات يكتب : الأحزاب السياسية والتحديات البرامجية: فرصة التغيير واستحقاق النجاح
كمواطن أردني وعضو في لجنة التحديث السياسي، التي أعتبرها "مشروع الأردن الوطني النهضوي”، أجد نفسي بحاجة إلى التعليق على النقاش الدائر حول تصريحات رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، دولة سمير الرفاعي. هذه التصريحات، التي تناولت منظومة التحديث السياسي ومسيرة الأحزاب السياسية، تفتح الباب أمام تقييم ضروري ومرحلي لمسيرة العمل الحزبي، وهو المحور الأهم في عملية التحديث السياسي.
نحن اليوم أمام منعطف سياسي كبير في تاريخ النظام السياسي الأردني، منعطف لا يحتمل الفشل. هذا التحدي يحدث في بيئة تراكمية لم تكن يومًا صديقة للعمل الحزبي، ما يجعل التجربة حديثة بالنسبة لمعظم الأحزاب. لذلك، فإن عملية التقييم المستمر والتوعية الحثيثة، من قبل الحكومات والإعلام والنخب السياسية، ضرورة لا غنى عنها لضمان تطور العمل الحزبي ووصوله إلى مرحلة النضوج. الأحزاب الأردنية مطالبة بأن تعكس طموحات الأردنيين وتطلعاتهم، وأن تصبح صوتهم الحقيقي، لأن العمل الحزبي اليوم لم يعد ترفًا، بل هو إحدى الركائز الأساسية للعمل السياسي والبرلماني.
لقد حقق الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، إنجازًا مهمًا في التأسيس لحالة الدولة المدنية التعددية الديمقراطية. لكن هذا الإنجاز، رغم أهميته، يحتاج إلى تطوير مستمر. الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان مطالبة باتباع نهج استراتيجي يمزج بين تطوير أدائها الحزبي وتعزيز دورها البرلماني. عليها أن تبني أجندة سياسية وبرامجية واضحة تُلامس احتياجات المواطنين وتستجيب لتطلعاتهم، مع التركيز على أولويات رئيسية مثل: الإصلاح الاقتصادي، مكافحة البطالة، تحسين جودة التعليم، وتعزيز الخدمات الصحية.
التحدي الأكبر: بناء جسور مع الشعب
لتنجح الأحزاب في تمثيل الشعب، يجب أن تضع على رأس أولوياتها تعزيز الحوار المجتمعي والانخراط الحقيقي مع القواعد الشعبية. هذا يتطلب منها، ومن نوابها داخل البرلمان، تحسين الأداء البرلماني من خلال رفع كفاءة النواب الحزبيين، والتدريب المستمر على صياغة القوانين والتحليل الاقتصادي، لضمان ممارسة أدوارهم الرقابية والتشريعية بفعالية.
كما أن بناء كتل برلمانية حزبية قوية ومتماسكة أصبح ضرورة ملحة. فالعمل الفردي لم يعد كافيًا في مواجهة تحديات المرحلة. الأحزاب بحاجة إلى توحيد صفوفها وتطوير أدواتها لتعظيم تأثيرها في البرلمان والمجتمع.
الإعلام: شريك استراتيجي
الإعلام، سواء التقليدي أو الرقمي، هو حليف لا غنى عنه في هذه المرحلة. يجب على الأحزاب استخدامه بذكاء لنقل مواقفها وتوضيح برامجها وتسليط الضوء على إنجازاتها. الإعلام هو الجسر الذي يربط الأحزاب بالمواطنين، ويعزز ثقتهم في قدرتها على تحقيق تطلعاتهم.
نحو بيئة سياسية صديقة للأحزاب
تطوير القوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات يجب أن يكون هدفًا مستمرًا لضمان إنتاج بيئة سياسية حاضنة وداعمة للعمل الحزبي. هذه البيئة ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل تتطلب تعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الأحزاب نفسها.
الطريق نحو النجاح
أجزم أن تجربة التحديث السياسي الأردنية تسير على السكة الصحيحة. الملك والدستور والمؤسسات الأردنية يحصّنون هذه التجربة من الفشل. ومع ذلك، فإن النضوج السياسي لا يتحقق بين ليلة وضحاها. الأمر يتطلب ممارسة وشفافية حقيقية، بعيدًا عن الشعبوية والوعود غير الواقعية. النجاح في هذه المسيرة يعتمد على تفهم المواطنين وتعاونهم، وعلى قدرة الأحزاب على التطوير والتكيف مع متطلبات المرحلة.
خاتمة: الأردن نموذج يحتذى
إن التجربة الأردنية في التحديث السياسي تمثل فرصة تاريخية لرسم ملامح مستقبل أكثر إشراقًا. ومع الالتزام بتقييم مستمر، والعمل الجاد من جميع الأطراف، يمكن أن تصبح هذه التجربة نموذجًا يُحتذى به في بناء الدولة المدنية الديمقراطية. التحديات كبيرة، لكنها فرصتنا لنصنع تاريخًا جديدًا يليق بوطننا وأبنائنا.
صالح ارشيدات