د. ماجد الخواجا : استشراف لإمكانية المصالحة الوطنية
تعقد كلية الإعلام في جامعة بنغازي مؤتمراً علمياً دولياً بعنوان « دور الإعلام في المصالحة الوطنية « وذلك يومي الأحد والإثنين 22 – 23 ديسمبر، والحقيقة أنه منذ فترة تجري سلسلة من الحوارات بين مختلف الأطراف المتحاربة في ليبيا بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة من الأولويات الوطنية التي يمكن البناء عليها لإعادة ليبيا الموحدة تحت قيادة واحدة متوافق عليها من الجميع.
يبدو أن ما جرى في سوريا سيعيد ترتيب كثير من التفاصيل والشؤون المتصارع عليها في عديد من الدول العربية وخاصةً ليبيا والسودان ولبنان واليمن والعراق والفصائل الفلسطينية حركة فتح وحركة حماس.
لقد اكتوت منطقتنا العربية بصنوف التقسيم والفتن والعذاب والقهر الاجتماعي، كما أنها تعاني من عجز اقتصادي خرج عن سيطرة الأنظمة السياسية، وليس غريباً إطلاق صفة الدولة الفاشلة على عديد من الدول العربية التي تكاد تتلاشى معلنةً فشلها التام على مختلف الصعد المجتمعية.
بمراجعة بسيطة للتحولات العربية منذ عام 2010 وحتى الآن، فقد مرّت الدول العربية في عديد من الأمثلة الحيّة للتغيير، في تونس التي كانت رائدة التغيير العربي، شاهدنا كيف تنازل ابن علي عن الرئاسة وخرج مغادراً تونس دون رجعة، ولم تشهد تونس حوادث قتل وإجرام وتخريب في الممتلكات ونهبها، بل كان هناك سلاسة في استبدال النظام وإجراء انتخابات نزيهة أتت بنظام سياسي يستند إلى الديمقراطية الشعبية.
في مصر فقد تنازل مبارك عن الحكم لكنه لم يخرج من مصر وتمت محاكمته التي امتدت لتكون بمثابة محاكمة العصر، وأجريت انتخابات نزيهة لم يعد فيها مكان لنسبة 99,9% من الأصوات، حيث فاز مرسي بنسبة 51% فقط من الأصوات.
في ليبيا رفض القذافي التنازل أو الخروج من ليبيا، إلى أن تم اعتقاله وقتله بصورة دموية مؤلمة، ولم تهنأ ليبيا بعدها حتى الآن أي بمرور أكثر من 12 عام، ما زال التناحر والاقتتال الأهلي واقتسام المناطق، حتى أطلق على ليبيا مصطلح « دول المدن» بعد أن استقلت عديد من المدن لتعلن قيام سلطة فيها خارجة عن سلطة القذافي.
في اليمن حاول علي صالح العمل على تسويات متوافق عليها، لكنه لم يفلح في ذلك نتيجة التدخلات والحسابات المتعارضة للأطراف المعنية بالواقع اليمني، إلى أن تم قتله، ودخلت اليمن على إثرها في فوضى لم تنته حتى الآن.
في السودان شاهدنا البشير وهو متشبث بالسلطة إلى أن تم خلعه واعتقاله لتعمّ الفوضى التي أوصلت البلاد لحرب أهلية طاحنة ما زالت تدور في شوارع وأزقة المدن والتجمعات السودانية.
في سوريا تعامل النظام بقسوة منذ بداية الحراكات، واعتبر الشعب كله مجرد مجاميع إرهابية، وكانت بمثابة رخصة للقتل بأفظع الطرق التي تفنن النظام في ممارستها على الشعب ما بين القتل بدون رصاص وهو الكيماوي، وبين إلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، إضافة لكافة الموبقات والفظائع التي اعتاد عيها النظام في تعامله لكنه توسّع واشتدت قسوته في فترة الحراك الشعبي السوري، ولم يتخل النظام عن أية شعارات خاصة شعار المقاومة والممانعة ووحدة الساحات والمجاميع الإرهابية. إلى أن قيض الله مصير النظام بالهروب من سوريا وتسليم السلطة بدون حمامات دماء وتخريب.
إن ما يجمع الأنظمة العربية رغم اختلافات التعاطي مع الحراكات في كل منها، أنها لم تحدد أولوياتها الوطنية بقدر ما اعتنت بأولوياتها الذاتية.
في بنغازي سأكون ليومين في حواريات وعصف ذهني في مجالات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. مصالحة بدأ الحديث عنها منذ سنة 2015 في الصخيرات في المغرب، ولأن يعود الطرفان الرئيسان وهما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ليجتمعا في الرباط باحثين عن أولويات ليبيا الوطنية.
ربما يجوز الحديث عن الدول العربية كافة بضرورة تحديث أولوياتها الوطنية من أجل مواكبة القادم الذي لا يرحم. ولنا عودة.
ــ الدستور