د. احمد يعقوب مجدوبة : ثلاثة أنماط من الأفراد!
الناس أجناس، حسب المقولة المعروفة. وهذا المبدأ ينسحبُ على الأفراد في سياقاتهم المختلفة، كبرت أم صغرت.
فالمقولة تنطبق على مستوى الشعوب في كرتنا الأرضية عموماً، وعلى مستوى الشعب الواحد، وحتى على الأفراد في الأسرة الواحدة.
والتنوع، على نحو عام، أمرٌ إيجابي؛ فهو يثري المجتمع ويُقوّي أواصر العلاقات، ويُضفي على الحياة بهجة ورونقاً.
يضاف إلى ذلك أن التنوع هو أساس الابتكار والإبداع.
بَيْدَ أن التنوع، في أحيان أخرى، قد يُشكّل حالات تمتد بين الإيجابي في قطب والسّلبي في قطب آخر. وهذا ما تود المقالة تسليط الضوء عليه.
الأفراد في هذا السياق يندرجون تحت ثلاث فئات من أقصى الإيجاب إلى أقصى السّلب: المِعطاء والأخّاذ والجامع بين السّمتين.
أما الأول فهو من يُقدّم الآخرين على نفسه دوماً. ويُفكر في العطاء لا الأخذ؛ ويقدم الصالح العام على الخاص. وهذا ما يُقصد بالشهامة والكرم والتضحية والإيثار في سياقاتها المجتمعية والثقافية والمؤسسية.
وقد عبّرت عن هذا الموقف النبيل خير تعبير الآية الكريمة: «ويُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
والأخّاذ هو من يقدّم نفسه على الآخرين دوماً. ويفكر بالأخذ لا العطاء. ويقدم الصالح الخاص على العام. وهذا ما يُقصد بالأنانية وحب النفس والنرجسية والتمحور حول الذات في سياقاتها المجتمعية والثقافية والمؤسسية.
وأطرف تعبير عن هذا الموقف تُجسّده نكتة يرويها صديق عن شخص لا يجيد السباحة وقع في حفرة ماء، فأخذ يصارع مقاوماً الغرق. فهبّ أحدهم لإنقاذه مادّاً يده نحوه قائلاً: «أعطني يدك، أعطني يدك"؛ والغريق لا يأبه. فقال ثالث: «أعرف هذا الرجل حق المعرفة. لا تقل أعطني يدك، قل له: خذ يدي». ففعل، فإذا بالغريق يلتقط يده بسرعة البرق؛ كناية عن أنه يأخذ ولا يعطي.
أما النمط الثالث فهو من يأخذ تارة ويعطي تارة أخرى، على مبدأ «لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم».
والفئات الثلاث هذه هي نتاج التربية والثقافة الأسرية والمجتمعية، إضافة إلى ميول الأفراد وتوجهاتهم وتجاربهم وقناعاتهم.
المنتمون للفئة الأولى، وهم الأنبل، يعود إليهم الفضل الأكبر في الخير الذي يعمّ، وفي شيوع الأخلاق الحميدة، وفي إذكاء روح التضامن والتكافل، وفي الإنجاز، وفي رفعة المؤسسات وتقدّمها عندما يتسلمونها. وهم اللبنة الأساس في تقدم المجتمع ونهضته.
أما الفئة الثانية، وهم العلة والآفة، فتأثيرهم سلبي هدمي، سواء في السياقات الشخصية أو المؤسسية؛ وهم أحد أهم أسباب تأخر المجتمع وتراجع أداء مؤسساته وانحسار الأخلاق والقيم وتفشي الفساد، والذي يبدأ وينتهي بالإعلاء من مصلحة الذات.
الفئة الثالثة أقل ضرراً من الفئة الثانية؛ وأقل نفعاً من الأولى.
صلاح المجتمع يكون بكثرة المنتمين للفئة الأولى فهم رصيده وموارده الأغلى والأثمن؛ وفساد المجتمع يحصل عندما تهيمن الفئة الثانية؛ وركوده وتأخره يحدث عندما تسود الثالثة.
محظوظ المجتمع الذي تكثر فيه الفئة الأولى؛ ومشؤوم من تهيمن عليه الثانية. ومتعثر من تسود فيه الثالثة. ــ الراي