اسماعيل الشريف يكتب : الطائرات المسيرة
«لقد جعلت المسدسات جميع الرجال متساوين» – صموئيل كولت، مخترع المسدس الشهير كولت
في أول مواجهة بين فرسان المماليك والجيش الفرنسي عام 1798، ظهر المماليك بملابسهم المزخرفة وعمائمهم الكبيرة المرصعة بالمجوهرات، ممتطين خيولهم وحاملين سيوفهم الخفيفة. واجهوا الجيش الفرنسي، الذي كان مجهزًا بالمدافع والبنادق، ومنظمًا بتشكيلات دفاعية وهجومية متطورة. وسرعان ما أدرك المماليك عجزهم أمام نيران المدافع التي كانت تُطلق من مسافات بعيدة. وبينما كانوا يفرون من أرض المعركة بعد الهزيمة الساحقة، لعنوا مشايخهم الذين حرّموا عليهم استخدام المدافع، رغم أنها كانت مستخدمة في المنطقة منذ القرن الخامس عشر.
بجيش صغير لا يتجاوز عدده 168 جنديًا، تمكن الإسبان من الانتصار على جيش الإنكا في معركة كاخاماركا عام 1532، رغم أن عدد مقاتلي الإنكا تجاوز خمسة آلاف. تحقق هذا الانتصار بفضل استخدام الإسبان للبنادق، وتمكنوا من أسر إمبراطور الإنكا، مطالبين بفديته مقابل غرفة مليئة بالذهب. وبعد جمع الذهب، قام الإسبان بقتل الإمبراطور.
إذًا، انتصرت التكنولوجيا على الشجاعة!
في طوفان الأقصى، نشهد الطائرات المسيّرة البسيطة التي تطلقها المقاومة في لبنان تقتل جنود الاحتلال وتدك مدن فلسطين المحتلة، محدثة أضرارًا كبيرة وتزرع الرعب في نفوس الصهاينة، الذين يهرعون للاختباء في الملاجئ. وتفشل القبة الحديدية والتكنولوجيا المتقدمة باهظة التكلفة في التصدي لهذه الطائرات المسيّرة.
لا يختلف أحد على أن الكيان الصهيوني يمتلك قوة تدميرية هائلة وتكنولوجيا متقدمة مدعومة من الولايات المتحدة، ويستخدمها في استهداف المدنيين وتدمير المباني. ومع ذلك، يقف عاجزًا أمام هذه الطائرات الانقضاضية البسيطة؛ فهي تحلق على ارتفاعات منخفضة، تلتقطها الرادارات للحظات ثم تختفي عن الأنظار، لتصل إلى غرفة نوم نتن ياهو.
بفضل هذه الطائرات، تمكن الحوثيون من إغلاق البحر الأحمر والوصول إلى فلسطين المحتلة، ولم تتمكن البوارج الأمريكية والبريطانية وحاملات الطائرات من إيقافهم أو اعتراض طائراتهم، رغم بدائية بعضها. ويقوم الحوثيون بتصنيع هياكل الطائرات، بينما تزودهم إيران ودول أخرى بالمكونات الأساسية. وتستطيع هذه الطائرات التحليق لمسافات تتجاوز ألفاً وخمسمئة كيلومتر لتصيب أهدافها بدقة، ما أدى إلى إعلان ميناء إيلات إفلاسه نتيجة لهذه الهجمات.
لا يمتلك الكيان طائرات مسيّرة مماثلة لتلك التي تستخدمها المقاومة؛ فطائراته المسيّرة أمريكية الصنع، مرتفعة التكلفة، وتستخدم غالبًا لأغراض التجسس أو إطلاق الصواريخ. قرأت مؤخرًا أن الولايات المتحدة تزود الكيان بثلاثة نماذج: MQ-1 وMQ-9 وطائرة تريتون، وتصل تكلفة كل منها إلى ملايين الدولارات، مقارنةً بطائرات المقاومة التي لا تتجاوز كلفتها بضعة آلاف من الدولارات.
لذلك، أرى أن سياسة الكيان في استهداف المنافذ الحدودية بين لبنان وسوريا لن تؤدي إلى قطع إمدادات إيران من الأسلحة إلى حزب الله؛ فهذه الفكرة تبدو سخيفة. إذ تُصنع هياكل الصواريخ والطائرات المسيّرة في ورش بسيطة، ومن السهل تهريب مكوناتها الداخلية التي يصعب اكتشافها.
ينطبق على الطائرات المسيّرة، في تصديها لآلة الدمار الجبارة التي يمتلكها الكيان والولايات المتحدة، المثل القائل: «إن البعوضة تدمي مقلة الأسد». فرغم بساطة هذه الطائرات وقلة تكلفتها، استطاعت أن تصبح سلاحًا فعالًا يقف في وجه أعتى الترسانات التكنولوجية.
بسبب هذه الطائرات، نتابع الأخبار عن سعي الكيان الغاصب لوقف إطلاق النار في لبنان. ــ الدستور