د . صلاح جرار : كيف نواجه الرواية الصهيونية؟!
الذين يتظاهرون من المفكرين والإعلاميين الغربيين بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ورفض الإبادة التي يرتكبها الجيش الصهيوني في قطاع غزّة ومعارضة الممارسات الصهيونية في الضفّة الغربية، لا يخفى بين سطورهم تأييدهم الروايات الصهيونية حول كثير من الأحداث التي تجري يوميّاً، وعلى الرغم من اكتشاف زيف هذه الروايات وانكشاف كذبها بعد التحقّق منها أو بعد اعتراف أشخاص ذوي علاقة بعدم صحّتها، إلاّ أنّ كثيراً من المفكّرين والسياسيّين والإعلاميّين الغربيّين ما زالوا مستمرين في تصديق تلك الروايات المكذوبة والترويج لها والانطلا? في تحليلاتهم السياسيّة منها بوصفها حقائق ثابتة لا تقبل الجدل أو النقاش، وينشرون ذلك في كتبهم ومجلّاتهم الشهيرة. وأبرز شاهد على ذلك استمرار هؤلاء الكتّاب سواءً ممّن يظهرون التعاطف مع الشعب الفلسطيني أو من الذين يتحاملون على الفلسطينيين وعلى سائر العرب والمسلمين في تبنّي الرواية الإسرائيلية عن السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وما نسبته هذه الرواية للمقاومة الفلسطينية من أفعالٍ وفظائع في تلك العملية لم تحدث إطلاقاً مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، فعلى الرغم من اكتشاف زيف هذه الرواية وتيقّن الدول من كذبها ?أدلّة كثيرة، وعلى الرغم من وجود أدلّة وشواهد قاطعة في المقابل على الجرائم والفظاعات التي يرتكبها الجيش الصهيوني، فإنّ وسائل الإعلام الغربيّة وكثيراً من مفكّري الغرب وسياسيّيه وكتّابه وإعلاميّيه ما زالوا يروّجون لتلك الرواية الصهيونية ويواصلون زراعتها وتثبيتها في عقول الأجيال، وربّما نجد يوماً في المستقبل من يضمّن الرواية الصهيونية في مناهج المدارس والجامعات في الغرب، ممّا يزيد في تشويه صورة العربيّ والمسلم.
ولا شكّ في أنّ هيمنة الكيان الصهيوني على وسائل الإعلام العالمية الشهيرة وتحكّمه في قيادات كثير من دول الغرب يسهّل على الصهاينة تحقيق النجاح في أهدافهم المشؤومة والخبيثة سعياً إلى كسب مزيد من الدعم والتأييد من دول الغرب وشعوبه.
وممّا يثبت ارتهان الإعلام الغربي والسياسة الغربيّة للدعاية الصهيونية ما حدث مؤخراً في أمستردام عندما قام مشجّعو الفريق الإسرائيلي بتمزيق الأعلام الفلسطينية والاعتداء على العرب واستفزازهم، ولمــّا قام المتعاطفون مع الفلسطينيين بالردّ على تلك الاعتداءات لم يتردّد رئيس وزراء هولندا وزعماء أوروبيّون كثيرون باتهام هؤلاء المتعاطفين بأنّهم هم الذين يهاجمون الإسرائيليين وأنّهم معادون للساميّة، وقد تجاهل هؤلاء الزعماء السبب في تلك المواجهات ولم يلتفتوا إلى التنمرّ والاستفزاز الذي مارسه هؤلاء الصهاينة في شوارع أمستر?ام.
وتضاف هذه الحالات إلى ذلك اليوم المشؤوم الذي وقف فيه نتنياهو مخاطباً مجلس النوّاب الأميركي ومغدقاً عليهم أكاذيب لا أوّل لها ولا آخر كما أغدق عليهم من جيبه ما جعلهم يصفّقون له تصفيقاً متواصلاً.
هذه كلها نماذج على ما يقوم به الإعلام الغربي الذي تهيمن عليه الصهيونية العالميّة من غسيلٍ لأدمغة المجتمعات الأوروبيّة وتوجيهها نحو كراهية العرب والمسلمين والإسهام في تحقيق الأهداف الصهيونية في تكريس الاحتلال الصهيوني لفلسطين وزيادة الأطماع في الاستيلاء على أراضٍ عربيّة أخرى.
وأمام هذا الإعلام الذي تجرّد من كلّ معاني الشرف والعدل والإنسانية، وأمام الأخطار الراهنة والمستقبلية الناجمة عن الحملات المحمومة لهذا الإعلام، أصبح لا بدّ للإعلاميين والمثقفين والمفكرين وصانعي القرار العرب من خوض معركتهم الإعلامية والثقافية بكل الوسائل المتاحة والممكنة. ولمــّا كانت عواقب هذه الحملات الإعلامية المعادية بعيدة المدى والأثر كان لا بدّ من وضع خطط بعيدة المدى أيضاً لمواجهتها والتصدّي لها، ولا يجوز لأحد أن يستهين بالنتائج الوخيمة المترتبة على هذا الدور الصهيوني في توظيف الإعلام في تزييف الحقائق ?قلبها وتحويل المجرم إلى ضحيّة وتسويغ قتل العرب ومصادرة حقوقهم وأراضيهم ومقدّراتهم وإرادتهم، كما لا يجوز الاستهانة بالدور الذي يمكن أن تقوم به القطاعات الإعلامية والثقافية العربية في مواجهة هذا الإعلام.
ومما يفيد في إطار مواجهة الإعلام الصهيوني تفعيل دور مراكز الدراسات السياسية والتاريخية في إجراء الدراسات الموثّقة وكشف الافتراءات الصهيونية وتفنيدها ودحضها، كما أنّ من المفيد أيضاً تفعيل دور الترجمة من العربيّة وإليها من أجل مخاطبة المجتمعات الغربية باللغات التي يفهمونها.
ومن الضروري أيضاً تفعيل دور الملحقيّات الثقافية والإعلامية العربيّة في الدول الأجنبية وأن تنهض هذه الملحقيّات برسالة التعريف بالحضارة العربيّة والقيم الإنسانية العربيّة، والتعريف بالجرائم الصهيونية والاستعمارية التي شهدتها البلاد العربيّة قديماً وحديثاً، والقيام بالردّ على الادّعاءات والأكاذيب الصهيونية التي يروّج لها الإعلام الغربي، وتنظيم الندوات والمحاضرات والأفلام والمعارض التي تخدم القضايا العربيّة.
ومن الضروريّ أيضاً في إطار التصدّي للحملات الصهيونية إنشاء وكالات أنباء وفضائيات عربيّة تتحدث باللغات العالميّة كافّة وتتبنّى القضايا العربيّة، وهو أمرٌ ممكنٌ وسهل التحقيق وعظيم التأثير.
ولكن يبقى في النهاية التنسيق الإعلامي العربيّ شرطاً أساسيّاً في تحقيق الاستراتيجية الإعلاميّة العربيّة، كما يبقى تعميق التواصل الثقافي العربي مطلباً شرعيّاً وأساسيّاً في مواجهة الحملات الصهيونية التي تستهدف العقل العربيّ والثقافة العربيّة والإنسان العربي. ــ الراي
Salahjarrar@hotmail.com