الأخبار

د. عدلي فندح : معركة النفوذ.. الاحتياطي الفيدرالي تحت الضغط

د. عدلي فندح : معركة النفوذ.. الاحتياطي الفيدرالي تحت الضغط
أخبارنا :  

مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة واستعداده للعودة إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، تتجه الأنظار نحو موقفه من السياسة النقدية والتوجهات المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي. تأتي هذه العودة في وقت خفّض فيه الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين مؤخراً، حيث شهد شهر سبتمبر خفضاً بمقدار نصف نقطة مئوية لأول مرة منذ شهر آذار/ مارس 2020، وتبعه تخفيض آخر قبل يومين بمقدار ربع نقطة مئوية، مما أثار التساؤلات حول مدى تأثير ترامب على توجهات السياسة النقدية للفيدرالي خلال الفترة المقبلة.
منذ تأسيسه عام 1913، تعرض الاحتياطي الفيدرالي لضغوط سياسية متعددة. في البداية، كان وزير الخزانة يقود اجتماعات البنك المركزي، لكن تعديلات على قانون الاحتياطي الفيدرالي واتفاقية تاريخية عام 1951 بين وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي منحت البنك استقلالية كبيرة. رغم هذا التحول، استمر الرؤساء في محاولاتهم التأثير على سياسات البنك، بما في ذلك الرئيسان هاري ترومان وريتشارد نيكسون، اللذان مارسا ضغوطًا كبيرة على رؤساء البنك لاتباع سياسات تتماشى مع أهدافهم السياسية. وقد أدى تأثير نيكسون على رئيس البنك المركزي آرثر بيرنز إلى تضخم مفرط في السبعينيات، مما استلزم تدخلات جذرية لاحقة من قِبَل بول فولكر لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تتشابه انتقادات ترامب الأخيرة لباول ودعوته لزيادة السيطرة التنفيذية مع هذه السوابق التاريخية. ومع ذلك، يحذّر العديد من الاقتصاديين، بمن فيهم وزير الخزانة السابق لاري سامرز، من أن تقويض استقلالية البنك المركزي قد يعرض مهمته الأساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي للخطر. وشدّد سامرز على أن الرئيس الذي يركز على المكاسب الانتخابية قصيرة الأجل قد لا يكون مؤهلاً لإدارة الاقتصاد مثل البنك المركزي، الذي يعتمد على مؤشرات اقتصادية أوسع على المدى الطويل.
في عهد إدارة بايدن، حافظ الاحتياطي الفيدرالي على استقلاليته، مع بقاء جيروم باول بعيدًا عن تدخلات الرئيس. وقد أعاد بايدن تعيين باول في عام 2021، مما يعكس احترامًا لدور المؤسسة غير الحزبي.
تخفيضات الفائدة الأخيرة تأتي في سياق جهود الاحتياطي الفيدرالي لتحفيز النمو الاقتصادي، وهذه القرارات تتماشى مع سياسة التحفيز المالي، لكنها تضع البنك في مواجهة مع احتمالات الضغط السياسي المتزايد، خاصة في ظل قيادة ترامب المقبلة، الذي لطالما انتقد سياسات الفائدة المرتفعة خلال فترة ولايته الأولى.
تاريخياً، لم يتردد ترامب في التعبير عن آرائه بصراحة حول توجهات الاحتياطي الفيدرالي، وانتقد سياساته بشكل علني في أكثر من مناسبة. ومع عودته إلى البيت الأبيض، يتوقع بعض المحللين أن يستمر ترامب في دعوته لتسريع سياسات تحفيز النمو الاقتصادي من خلال سياسات نقدية توسعية. وقد يدفع نحو خفض إضافي للفائدة لتشجيع الاستثمار وتعزيز الاستهلاك، خاصة في بداية فترته الجديدة لتعزيز ثقة الأسواق ومواطنيه.
من وجهة نظري، هناك سيناريوهان محتملان لسياسة ترامب تجاه الاحتياطي الفيدرالي: السيناريو الأول، ممارسة الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لتسريع وتيرة التخفيضات. فقد يسعى ترامب إلى ممارسة ضغوط مباشرة أو غير مباشرة على الاحتياطي الفيدرالي للتعجيل بخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، سعياً لتحفيز النمو بشكل أسرع. سيصب هذا في مصلحته من الناحية السياسية، حيث يُظهره وكأنه يقود تعافياً اقتصاديًا قويًا يعزز مكانته محليًا ودولياً. ولكن، هذا السيناريو قد يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب، حيث سيتعين عليه موازنة بين تحقيق الاستقرار النقدي والاستجابة للضغوط السياسية المتزايدة.
أما السيناريو الثاني، فهو إتاحة مساحة أكبر للفيدرالي لاتخاذ قراراته. فعلى الرغم من مواقفه السابقة، قد يسعى ترامب هذه المرة للتركيز على قضايا أخرى وترك مساحة أوسع للاحتياطي الفيدرالي للتعامل مع السياسات النقدية. وخصوصًا أن معدلات التضخم تمت السيطرة عليها وهي الآن عند مستوى 2.1%، ومعدلات البطالة قريبة من المعدلات الطبيعية عند مستوى 4.1%، ووصلت معدلات النمو الاقتصادي إلى 2.8%، وهي معدلات جيدة جدًا لاقتصاد بحجم الاقتصاد الأمريكي. أرى أن هذا الخيار قد يكون مرجحًا، بناءً على حالة الهدوء التي ظهر بها في خطاب الفوز يوم السابع من الشهر الجاري، خاصة إذا قرر أن يعطي الأولوية لمجالات أخرى، مثل التجارة الخارجية أو الإصلاحات الضريبية، تاركًا للبنك المركزي مرونة نسبية في التعامل مع الفائدة وفقًا للمتغيرات الاقتصادية.
سواء قرر ترامب التدخل في سياسات الفائدة أم لا، فإن الاقتصاد الأمريكي مقبل على فترة مهمة، وسيكون لتوجهات السياسة النقدية آثار كبيرة على عدة مستويات. من المتوقع أن تستمر تخفيضات الفائدة بهدف تحفيز النمو الاقتصادي، مما سيؤدي إلى انتعاش الأسواق المالية وزيادة الإقبال على الاقتراض والإنفاق، وهذا من شأنه رفع معدلات النمو الاقتصادي. في المقابل، قد تواجه الولايات المتحدة بعض المخاطر على المدى الطويل إذا تسببت هذه السياسات في تضخم مفرط، وهو ما سيضع الاحتياطي الفيدرالي في وضع صعب بين ضرورة تحفيز الاقتصاد والحفاظ على استقرار الأسعار.
في ظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتخفيضات الفائدة المستمرة، ستستمر معركة النفوذ بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي. ترامب قد يسعى إلى تسريع وتيرة هذه التخفيضات في محاولة لتحفيز الاقتصاد، لكن في الوقت ذاته، يظل الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط كبير للحفاظ على استقلاليته وضمان استقرار الاقتصاد على المدى الطويل. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك