رمزي الغزوي : الحصاد وقمر العاشقين
العرب تسمي القمر المكتمل بدراً، لأنه يبادر بالشروق والشمس ما زالت في صحن السماء. لكنه ورغم بهائه وضيائه لم يكن يعجب عشاقهم لأنه كان يحرمهم من حبيباتهم، ويفضح لقاءاتهم السرية بهن. وثمة من يقول منهم: إن من يلتقي بقمر أرضي وضّاء، كيف له أن يطالع صفحة السماء، محدقاً بقمر بعيد المنال.
قريبا من العشق وبعيدا عن خوفه، سنجد أن من حسنات المُدن أن بدرها يبدو أكبر وأوسع وأقرب من بدر القُرى، وهذه حقيقة علمية تنتج عن خدعة بصرية بسيطة، فالعين حينما تراقب بدر المدينة المشرق؛ فإنها تقارنه بالبيوت الصغيرة من حوله، ولهذا سيبدو كبيراً. أما في القرى، فالقمر يبدو صغيراً؛ لأن العين تقارنه بالجبال التي طلع من بينها. ومع هذا يبقى القمر قمراً، لمن يريد أن يقرأه بحب وتأمل.
في الليلة الماضية تعملق قمرنا بدرا كاملا ملأ ساحة السماء. وهذه القمر تحديدا يطلق عليه بعض الفلكيين تسمية «قمر الحصادين». لكن مع جمال التسمية ومعناها البهي إلا أنها لا تلائم واقعنا وطبيعة منطقتنا وتاريخها، فنحن على بوابة الشتاء، فلا حصاد ولا رجاد (جمع السنابل المحصودة، ونقلها إلى البيدر من أجل الدرس). وقد يكون أن التسمية جاءتنا مترجمة، لأن هذا الوقت يكون حصاداً في بعض دول شرق أسيا، أو أمريكيا اللاتينية، حيث كان يمنح البدر الحصاد فرصة متابعة العمل ليلاً، بفضل نوره الوفير.
أخذتنا الحياة بضوضائها وأنوارها الصاخبة ومشاغلها وتعقيداتها، فلا أحد يجرؤ أو يقدر أن يرمي الريموت كنترول أو الهاتف من قبضة يده، ويخرج ليسهر مع بهاء الليل، وقمره الوحيد القريب قاب همسة يجوب السماء المندية بالغيوم الشاطحة. ربما بتنا لا نلقي بالاً للقمر الممشوق التائه فوقنا، ولا نرفع رؤوسنا لقراءة السماء حق القراءة. فالظاهر أن سرعة الحياة تنسينا أنفسنا وتسرقنا منا، فليس هناك أضيع من قمر كبير في مدينة تضج بالصخب.
ولأن لا حصيدة عندي أو زرع؛ فسيعجبني أن أسامر قمري الممتلئ بعيداً عن المدينة، حتى لو خسرت بعضاً من حجمه، أريد أن أتفقد قمح قلبي من جديد، وأكيله حفنة حفنة. ــ الدستور