الأخبار

نايف القاضي : الأردنيون بين العشيرة والحزب

نايف القاضي : الأردنيون بين العشيرة والحزب
أخبارنا :  

منذ مطلع القرن الماضي اندفع الاردنيون بطبقاتهم وعشائرهم ومدنهم واريافهم وبواديهم ومخيماتهم لتكوين الاحزاب او الانتساب اليها وذلك قبل اعلان امارة شرقي الاردن وفي اعقاب الحرب العالمية وظهور نتائج اتفاقية سايكس بيكو ووعد بفور سيء السمعة، وقد شارك اعضاء من حزب الاستقلال الذي نشأ في سوريا في عهد حكومة الامير فيصل بن الحسين (عام 1919) في اول حكومة اردنية برئاسة رشيد طليع عام (1921)، وتوالى بعد ذلك انشاء الاحزاب في الاردن وكان اولهما حزب الشعب الاردني عام (1927)ونص برنامجه على تكوين مجلس نيابي منتخب وعقد مؤتمر وط?ي والغاء المعاهدة مع بريطانيا. وجاء من بعده حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني بزعامة حسين الطراونة وهو اكثر الاحزاب مقاومة للحركة الصهيونية، وجاء بعده حزب التضامن (1933) وحزب الاخاء (1937)ثم الحزب القومي الاجتماعي عام (1938)، وعرفت تلك الاحزاب في تلك الفترة بالاحزاب الوطنية الاردنية بعد ذلك ظهرت ما يعرف بالاحزاب والحركات غير الاردنية على الساحة مثل حركة الاخوان المسلمين بعد طرد قيادتها من مصر اثناء حكم الملك فاروق ولجوئها الى الاردن وبعد ذلك الحزب الشيوعي وحزب التحرير (1951-1952)ثم ظهرت الاحزاب الاردنية ?لمرتبطة بالاحزاب القومية في دول الجوار مثل حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب القوميين العرب والحزب الوطني الاشتراكي. وصدر القانون الاول للاحزاب الاردنية في المملكة الاردنية الهاشمية عام (1956).

في هذا العام بالذات وكنت طالبا في الصوف الاعداديةفي مدرسة الرمثا الثانوية التي كان مديرها في ذلك التاريخ الاستاذ محمد مطر بني هاني وبايحاء من احد المعلمين البعثيين انتسبت الى حزب البعث ايمانا مني بالانتماء القومي والوحدة العربية رغم انتسابي لعائلة وعشيرة كبيرة دون تردد او حساب. ولم اجد اية معارضة او انتقاد من والدي او اهلي او اي فرد من العشيرة التي انتمي اليها. وقررت الانسحاب من الحزب بعد اعلان انفصال سوريا عن مصر بدعم وتأييد من قادة حزب البعث الذين شاركوا في حكومة الجمهورية العربية المتحدة.

في عام 1922 صدر قانون الاحزاب بعد حوالي ثلاثة عقود من توقف الاحزاب السياسية وتأسست على اساسه عدد من الاحزاب التي لا زال منها ما هو قائم حتى الان وبناء على الايديولوجيات والافكار التي سادت سابقا. كما تأسست احزاب برامجية تحت قانون (2007-2012) عندها كان ملف الاحزاب من اختصاص وزارة الداخلية ثم صدر قانون الاحزاب رقم 39 لسنة 2015 وتم نقل ملف الاحزاب بموجبه الى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية.

لقد نص قانون الاحزاب رقم 39 لسنة 2015 على ما يلي: المادة 4- أ- للاردنيين الحق في تأليف الاحزاب والانتساب اليها وفقا لاحكام الدستور والقانون.

المادة 5-أ – يؤسس الحزب على اساس المواطنة والمساواة بين الاردنيين والالتزام بالديمقراطية واحترام التعددية السياسية.

ب-لا يجوز تأسيس الحزب على اساس ديني او طائفي او عِرقي او فئوي او على اساس التفرقة بسبب الجنس او الاصل.

المادة 6-ب- يشترط في العضو المؤسس ما يلي: 1- ان يكون اردنيا منذ عشر سنوات على الاقل.

7-ان لا يكون عضوا في حزب اخر او اي تنظيم سياسي غير اردني.

8-ان لا يكون من المنتسبين للقوات المسلحة الاردنية او اي من الاجهزة الامنية او الدفاع المدني.

المادة 19- لا يجوز التعرض لاي مواطن او مساءلته او محاسبته او المساس بحقوقه الدستورية او القانونية بسبب انتمائه الحزبي.

المادة 20- و- عدم الارتباط التنظيمي او المالي بأي جهة غير اردنية او توجيه النشاط الحزبي بناء على اوامر او توجيهات من اي دولة او جهة خارجية.

المادة 23-ب- باستثناء حالات الجُرم المشهود لا يجوز تفتيش مقر اي حزب الا بقرار من المدعي العام وبحضوره وحضور ممثل عن الحزب.

لقد دخل الاردن في عملية التحول الديمقراطي منذ العام 1989وظهرت الاحزاب بصورة علنية ولوحظ غياب بعض الاحزاب بعد العام 1957 بسبب بعض المحاولات الانقلابية الشكلية وارتباط بعض الاحزاب بها باستثناء جماعة الاخوان المسلمين التي استمرت بالعمل العلني والتعاون مع الحكومات الاردنية حتى اليوم بالرغم من مقاطعتها لانتخابات عام 1997.

وكانت انتخابات عام 1993 الفرصة السانحة للاحزاب للعودة للعمل على الساحة رغم قرار الحكومة اقرار قانون جديد للانتخاب عرف بقانون الصوت الواحد حيث ظهر التمثيل الحزبي على النحو التالي: التيار الاسلامي: حيث بلغ عدد المرشحين (36) عن حزب جبهة العمل الاسلامي وحركة دعاء عدد(2).

التيار القومي: حزب البعث الاشتراكي (4) +البعث العربي التقدمي+البعث العربي الديمقراطي(1+3).

التيار اليساري: الحزب الشيوعي الاردني (3) الحزب الديمقراطي الاشتراكي(3) حزب الحرية (1) حزب الشعب الديمقراطي حشد (4) حزب الوحدة الشعبية الديمقراطية (4) الحزب التقدمي الديمقراطي الاردني (1).

التيار الوسطي: حزب وعد (2) المستقبل (4) العهد (7) الجماهير (1) التقدم والعدالة (3) التجمع الوطني الاردني (8) اليقظة (4) حزب الوطن (2) حزب الوحدويون(1).

في العام 1997 اجريت الانتخابات وقامت جبهة العمل الاسلامي التابعة للاخوان المسلمين بمقاطعة هذه الانتخابات وتوزعت الاحزاب السياسية بين ثلاثة مواقف: 1- المقاطعة: وشمل حزب جبهة العمل الاسلامي والشعب الديمقراطي، والوحدة الشعبية الديمقراطي الاردني، والعمل القومي والجبهة الاردنية العربية الدستورية، والانصار العربي الاردني والحركة القومية الديمقراطية الشعبية.

2- المشاركة المشروطة: بموافقة الحكومة على تأمين ظروف سياسية وضمانات حقيقية للانتخابات. وهو ما تبناه الحزب الشيوعي الاردني والحزب المستقبل.

3- المشاركة: وقاد هذا الموقف الحزب الوطني الدستوري الذي تشكل في العام 1997 من تسعة احزاب من تيار الوسط.

اما انتخابات (2003)فرغم العمل بقانون الصوت الواحد فان ايّاً من الاحزاب الاردنية لم يعلن مقاطعته للانتخابات، مع زيادة عدد مقاعد مجلس النواب الى (110)مقاعد ستة منها للنساء.

وفي هذه الانتخابات تقدم الاتجاه المعارض بزعامة حزب العمل الاسلامي بـ(30)مرشحا والتيار الوطني بـ(13)مرشحا. والاتجاه الوسطي القريب من الحكومة بقيادة التجمع بـ(11)مرشحا والمجلس الوطني للتنسيق الحزبي الذي لم يعلن قائمة مرشحيه.

ورغم الجو الديمقراطي السائد في البلاد منذ ذلك التاريخ فان التباين والاختلاف بين هذه الاحزاب يظهر جلياً من خلال آليات العمل ومدى القرب من خطاب الدولة الرسمي بخلاف الاتجاه المعارض الذي يضم التيار الاسلامي والقومي واليساري الذي يبتعد في طروحاته الاسلامية والقومية والأممية عن توجهات الدولة الرسمية.

والحقيقة انني لا اريد ان ادخل في تفاصيل وضع الاحزاب الاردني بين الماضي والحاضر لانها في مجملها لم تخرج كثيراً عن دائرة الدولة وحافظت على حركتها داخلها في الخفية والعلن ولم تصل الى حد الاشتباك السلبي او حتى التقارب الايجابي مع الحكومات باستثناء جماعة الاخوان المسلمين التي تقترب وحتى تندمج مع تيار الحكومة وتبتعد عندما تقتضي مصلحتها ذلك.

لقد حصل انقلاب كبير في مفهوم الاحزاب ودورها الاجتماعي والسياسي في مرحلة ما بعد العام 1989 وبعد ثلاثين عاما من تجميدها حيث لم يكن في الساحة سوى جماعة الاخوان بصفتها جماعة لا حزبا ونشأت احزاب جديدة وقيادات جديدة حتى قال جلالة المرحوم الملك الحسين بن طلال في حينها مقولته المشهورة «الزحام يعيق الحركة». ودعوته الناصحة للاردنيين للشروع لبناء ثلاثة تيارات سياسية في البلاد تمثل اهل اليمين والوسط واليسار. ولم يصبر الاردنيون حتى يصدر قانون الاحزاب فبدأ حراكهم الحزبي قبيل الانتخابات وخلال وقت قصير كانت وسائل الاعلام ?كتظ بالاخبار والتقارير عن مشاريع لانشاء عدد كبير من الاحزاب الوسطية واليسارية والاسلامية مُعرِّفة بمؤُسسيها وافكارها وبرامجها وذلك تمهيدا لاشهارها بعد صدور القانون.

وبالعودة الى عنوان هذا المقال «الاردنيون بين العشيرة والحزب». وقول جلالة الملك عبدالله الثاني اثناء زيارته مؤخرا الى عشائر بني حسن في المفرق: «إن قوة الاردن بالعشائر التي كانت على الدوام داعمة لمسيرة تطويره مؤكدا دورها التاريخي في حماية الوطن وامنه». يمكن بيان الحقائق التالية: (1)لقد قام الاردن على قواعد ثلاث: القاعدة الاولى:الملك (الامير في البداية).

القاعدة الثانية:الجيش العربي.

القاعدة الثالثة:العشائر والقبائل الاردنية. وهي قوام واصل الشعب الاردني.

(2)ولهذا فقد كان الجيش هو الامتداد الاول للعشيرة او القبيلة الاردنية. وعلى هذا الاساس فان الأردنيين جميعا هم سواء العسكر او المدنيون جميعهم من ابناء العشائر وحتى هؤلاء الذين دخلوا البلاد من بعض الاقطار العربية المجاورة كان جلّهم او معظمهم من ابناء العشائر ذات الصلة والقرابة مع احدى العشائر الاردنية، ولا تستطيع الحديث عن اية عشيرة اردنية الا ولها ارتباط بالاصل الى احدى القبائل الاردنية سواء في شرق او شمال او جنوب او غرب البلاد وهذا منطلق احساس بالفخر والاعتزاز.

(3) لقد كانت العشيرة هي الوحدة المتماسكة للمجتمع الاردني وصمدت امام التحولات والتطورات الجديدة وتكيفت بقدرات معروفة مع الواقع وانسجمت بسهولة مع متطلبات الحياة الحديثة بانصهار ابنائها بمؤسسات الجيش والتعليم وتخلت بصورة مثيرة للاعجاب عن بعض العادات والسلوكيات القبلية القديمة واقبل ابناء وبنات العشائر الاردنية للاندماج في صفوف المجتمع المدني والدخول في الاحزاب وقيادات الاحزاب في المرحلة الحالية والسابقة من تاريخ الاردن.

(4)لقد كانت واصبحت العشيرة الاردنية الساحة الاساسية للمشاركة في الانتساب للاحزاب والدخول فيها دون اية معوقات او عراقيل واصبح من المبالغة القول ان احدا سواء في الماضي او الحاضر من ابناء العشائر قد عوقب او تعرض للاذى نتيجة ارتباطه بحزب من الاحزاب لا لسلوك قام به ليس بالضرورة ان يكون بسبب الارتباط بحزب من هذه الاحزاب.

وعليه فانني ادعو الاردنيين جميعا وفي مقدمتهم ابناء العشائر بالانتساب للاحزاب الاردنية الوطنية وممارسة نشاطاتهم الحزبية والسياسية والاجتماعية بأقصى ما تسمح به كفاءاتهم وانتمائهم لوطنهم والمشاركة في معالجة المشاكل السياسية والاجتماعية وتقديم مصالح وطنهم على اية مصالح اخرى، لانه لا مصلحة فوق مصلحة الوطن الذي اعزنا وجمعنا ووحدنا.

وهذا لا يعني الدعوة الى التخلي عن العشائر وعن تقاليدها واعرافها الطيبة بل الدعوة للتمسك بهذه العادات والتقاليد الكريمة والتخلي عن بعض العادات التي لا تتماشى مع طبيعة المجتمعات الحاضرة والتطورات التي حصلت في البلاد.

كما ادعو الاخوة رؤساء واعضاء الاحزاب وقادة المجتمع للتجاوب الكامل مع الحركة الاصلاحية التي يقودها جلالة الملك وتشمل الساحة السياسية والاجتماعية والادارية وارجو ان يكون الانسجام والتعاون والتضامن هو سبيلنا لانجاح هذه المرحلة في تاريخ الاردن الحديث التي يقودها جلالة الملك بكل امانة وكفاءة واخلاص.

واخيرا فان الانتماء الاول والاخير هو للاردن العزيز، ولقيادته الهاشمية الفذة ولشعبه الوفي ولجيشه الباسل.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك