الأخبار

د . محمد رسول الطراونة : الأمراض غير السارية: أرقام غير مرئية وحقائق منسية

د . محمد رسول الطراونة : الأمراض غير السارية: أرقام غير مرئية وحقائق منسية
أخبارنا :  

احتضنت عمان الأسبوع الماضي وعلى مدى يومين أعمال المؤتمر الوطني لتعزيز دمج الأمراض غير السارية في الرعاية الصحية الأولية في الأردن، بتنظيم من وزارة الصحة والجمعية الملكية للتوعية الصحية وبالتعاون مع مؤسسة السكري العالمية، وعلى الرغم من غياب بعض المؤسسات الهامة، فهي مبادرة يستحق المنظمون لها والمتحدثون والمشاركون في فعالياتها الثناء والتقدير على ما قدموه، إذ يأتي تنظيم هذا المؤتمر للتأكيد على أهمية ودور الرعاية الصحية الأولية في مواجهة الأمراض غير السارية وضرورة تعاون جميع الشركاء المعنيين في مواجهتها وتبادل?الخبرات واستخلاص الدروس من التحديات التي واجهت الرعاية المتكاملة للأمراض غير السارية خلال جائحة كورونا.

الامراض غير السارية (المزمنة)، أمراض لا تنتقل بالعدوى و يصاب بها الشخص على مدى زمنى طويل، ومن يصاب بأحدها، يكون لزاما عليه تلقى العلاج مدى الحياة، وهى عديدة ومتنوعة وتسبب ما يقرب من ثلاثة أرباع الوفيات في جميع أنحاء العالم، والاردن واحد من البلدان الذي تتجاوز فيه نسبة الوفيات نتيجة الإصابة بهذة الأمراض المعدل العالمي، اذ تشير الارقام الى أننا أمام تسونامي لدية قوة هائلة ومدمرة قد لا تحمد عقباه اذا لم يتم التدخل بشكل سريع وعلمي اذ أن 78 في المئة من الوفيات بين الاردنين أي ثمان وفيات من كل عشر تنجم عن هذه ال?مراض، وأن الأردنيين يتقدمون بنسب التدخين بينما العالم يتراجع إذ أن 42 في المئة مدخنون وبمعدل انفاق على السجائر يصل الى 60 دينار شهريا.

ومما يقلق أيضا أن خمس الاردنيين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، والنصف مصاب بالسكري والسكري الكامن، وثلثيهم يعانون من زيادة الوزن والسمنة، وخمس اخر يعاني من ارتفاع الدهنيات وحوالي 76 في المئة لا يشاركون في اي نشاط بدني (أي كسالى)، والامر الاخر والاكثر إزعاجا أن ثلث الاردنيين ممن هم في الفئة العمرية المنتجة 18- 44 سنة لديهم ثلاثة عوامل خطورة وأكثر وتصل النسبة الى الثلثين في الفئة العمرية 45–69 سنة، أما الاسر الأردنية فثلثها لديها فرد يعاني من أحد الأمراض غير السارية.

بالرغم من هذه الأرقام غير المرئية والمرعبة والتي تكاد تكون حقائق منسية لم تحظ الأمراض غير السارية بتداول إعلامى مماثل لما حدث مع فيروس كورونا، خاصة أنها غالبا كانت المتهم الأول للوفاة.

ثمة حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات قوية الآن–لمنع وفاة آلاف الأردنيين خلال أكثر السنوات إنتاجية في حياتهم- جراء أمراض كان يمكن تفاديها ببساطة من خلال تغيير أنماط المعيشة غير الصحية الشائعة كالتدخين والطعام غير الصحي وعدم مزاولة الأنشطة البدنية بدرجة كافية والإفراط في تعاطي الكحوليات، وهي أي الأمراض غير السارية تلحق خسائر فادحة بالاقتصادات الوطنية، وتقلص من حياة الناس في سنواتهم الأكثر إنتاجية لذا يتطلب التغلب على هذا التحدي التزاما تقنيا وماليا وقبل كل شيء التزاما سياسيا من اعلى المستويات لمكافحتها والوقاية منها?

كشفت منظمة الصحة العالمية في تقرير جديد لها بعنوان الأرقام غير المرئية عن الحجم الحقيقي للأمراض غير السارية وبينت أن هذه الفئة من الأمراض هي الأكثر فتكا الآن على مستوى العالم و إنه في كل ثانيتين يموت شخص دون سن السبعين في مكان ما في العالم، أما الأردن يموت شخص كل نصف ساعة بسبب مرض غير ساري، مثل أمراض القلب والسرطان والسكري وأمراض الرئة، كما سلط التقرير الضوء على العبء العالمي لهذة الامراض وعوامل الخطورة والتقدم الذي احرزه كل بلد في جهوده لمكافحتها، هذا التقرير هو تذكير لكافة مسؤوليي الصحة بالحجم الحقيقي لل?هديد الذي تشكله الأمراض غير السارية وعوامل الخطر الناتجة عنها.

أما الاستطلاع الأخير الذي أصدرته مؤسسة غالوب بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومؤسسة بلومبيرغ، فقد بين أن معظم المشاركين في الاستطلاع من الدول الخمس (الأردن وكولومبيا والهند وتنزانيا وأميركا) صنفوا عوامل خطر الأمراض غير السارية على أنها أكبر مشكلة صحية في بلدهم، إلا أن وعي المواطنين بالروابط بين هذه الأمراض وعوامل الخطر المرتبطة بها كاستهلاك التبغ والكحول والأنظمة الغذائية غير الصحية وقلة النشاط البدني فهو منخفض، وعلية أوصت المنظمة بضرورة التزام الدول بالاتفاق العالمي للأمراض غير السارية لإنقاذ حياة 50 ملي?ن شخص بحلول عام 2030، والعودة إلى المسار الصحيح للوصول إلى أهـداف التنمية المستدامة والحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية.

خلاصة القول، إن جوهر السيطرة على هذه الأمراض يكمن في التحكم في عوامل الخطورة لها من خلال وضع نهج شامل بمشاركة والتزام جميع القطاعات بما فيها الصحة والمالية والنقل والتعليم وغيرها للعمل سوية من أجل التقليل من مخاطر هذه الامراض وتعزيز التدخلات الرامية إلى الوقاية منها ومكافحتها مع تسليط الضوء على الحاجة الملحة إلى هندسة الرعاية الصحية الأولية وابتكار نموذج تقديم خدمات صحية جديد مختلف عن نموذج ما قبل كورونا، لأنها الأساس الذي تقوم عليه مكافحة هذه الأمراض، فمكافحتها أمر هام لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي ?صبو إلى تخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن هذه الأمراض بمقدار الثلث بحلول عام 2030، مما يتطلب توسيع نطاق العمل الوطني بشأن هذه الأمراض، خلاف ذلك سنجد أنفسنا في عين «التسونامي». ــ الراي

أمين عام المجلس الصحي العالي السابق

amman992001@gmail.com

مواضيع قد تهمك