الأخبار

د . محمد القرعان يكتب : إعادة بناء نظام الإعلام المملوك للدولة

د . محمد القرعان يكتب : إعادة بناء نظام الإعلام المملوك للدولة
أخبارنا :  

الدكتور محمد كامل القرعان

لا شك ان لكل مرحلة تاريخية تمر بها الدولة موجباتها والتزاماتها وتحديثاتها ؛ فالاردن منذ ان وجه جلالة الملك عبد الله الثاني بتحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والادارية شرع باتخاذ خطوات متسارعة لتنفيذ هذا القول على ارض الواقع حتى وصل الى مرحلة تعديل القوانين المتعلقة بتطوير الحياة السياسية لا سيما قانوني (الاحزاب والانتخاب ) ليتيح لفئات المجتمع ان تكون صاحبة قرار من خلال تشكيل الاحزاب وانتخابات حرة ونزيهة وشفافة ، وتعكس مدى احتياجات الناس ومتطلباتهم؛ لذا فكان لا بد للدولة ان تتخذ قرارا يتماشى مع هذه التوجهات الضرورية.

وإذا ما نظرنا إلى الفترة السابقة وتحديدا قبل 2019 نجد انتكاسة واضحة في خريطة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاداري والديمقراطي من خلال تهميش الدور السياسي للمجتمع، وإبعاده عن الإشراف على الانتخابات وتشكيل الاحزاب والانتساب لها ناهيك عن ابتكار أساليب كثيرة لإيقاف عجلة التحديث في الاردن ، بل وأحيانًا بتجاهل تام لكل موجبات التحديث والتطوير واوجه التنفيذ للاصلاح الشامل . ولم يكن الاعلام الرسمي بافضل حال فقد عان الضعف والهزل والتهميش وحجب أي أصوات مخالفة له ، أما الإعلام الخاص فتعرض لهجمات، سواء مباشرة عبر تحويل رؤساء تحرير لمحاكمات، أو بالضغط على المالكين لتحديد خطوط حمراء للرأي تحددها الحكومات، وأحيانًا شراء بعض الذمم واستبعاد من ترغب الحكومة في استبعاده عن الساحة الوطنية،وهو ما حدث مع عدد لا باس فيه من الزملاء، وذلك كله في ظل غياب الاعلام الرسمي عن الساحة الوطنية بكل تحديثاتها ومفاصلها الدقيقة لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن في مجاراة الحركة النشطة للحياة السياسية وعكس موجبات التحول الاقتصادي والتطوير الاداري ؛ فكان شبه غائب وفي سبات عميق وبعيدا كل البعد عن الهم الاردني بكل جزئياته واماله والامه وطموحاته وانتكاسته، وهذا بالتاكيد ليس بالامر الحسن، ولذا كان لا بد من اعادة الامانة الى اصحابها ، كما تعرض الوطن والمتمثل في بعض الفضائيات لحملات تشويه منظمة استهدفت امنه واستقراره وثوابته دون اي رادع يذكر من قبل الاعلام الرسمي ؛ فكان لا بد من ان تتحرك الدولة لما شهدته ساحة الاعلام من تفريغ لرسالتها ونقاشها، لنصل إلى الميدان الأخير ومبتغاه.

وما لم يتوقعه أحد أن يأتي رد الفعل بهذه القوة وبهذه السرعة لتعزيز ما اكتسبه المجتمع من مساحات في حرية الرأي والتعبير والحركة الحزبية سواء تحت قبة البرلمان أو في النشاط العام للدولة، ونتيجة للحشد عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، فكل الأسباب المباشرة وغير المباشرة تؤكد وجود عزيمة وإرادة على التغير مختزنة داخل اركان الدولة. وقد لعبت تكنولوجيا الاتصالات دورًا مهمًا في الدعوة لهذا التغير، واسهمت في تاكيد الفارق وبخاصة الشبكة العنكبوتية ؛ ويأتي دورها من خلال الموقع الاجتماعي فيسبوك وتويتر وغيرها والذي استغلة النشطاء السياسيون للتواصل مع بعضهم البعض وطرح ونشر أفكارهم؛ فقد كانت الرسالة موجهة خصيصًا للدولة هو إعادة بناء النظام الإعلامي أو الحكومي على أساس تحويله من نظام الإعلام الموجه التابع تبعية مطلقة للحكومة ، الى نظام إعلامي محصن من الخضوع للاعتبارات الاستهلاكية وضغوط جماعات المصالح ، ومحصن من التدخل السياسي الحكومي في سياساته التحريرية والبرامجية، بتكوين إداري- تنظيمي، يقوم على الفصل التام بين مجلس الإدارة الذي يتحاور مع السلطة السياسية القائمة، وبين الإدارة العامة وإدارات التحرير والبرامج المستقلة تمامًا في كل قراراتها ، والتغطيات الإعلامية، مادامت ملتزمة بالقواعد المهنية المتعارف عليها من الموضوعية والتوازن والدقة ، ومادامت ملتزمة بمواثيق الشرف الإعلامية المهنية، أو مواثيق الشرف المتفق عليها في كل المؤسسات الإعلامية والصحفية الدولية. والاعلام الحكومي هو أسوأ أنواع الإعلام قاطبة، وتراجع في العالم كله بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق إلى نظام إعلام الخدمة العامة ، وهو النظام المطبق في العديد من الدول الأوروبية الديمقراطية (بريطانيا BBC، وأستراليا ABC، كندا، وألمانيا.. إلخ) فإعادة الاعتبار للشان العام ونشاطه، يشمل مهمة إعادة بناء نظام الإعلام المملوك للدولة برسالتها وحضورها الدولي ، وإعادة هيكلته، وإعادة الاعتبار إلى صناعة الأخبار وشؤون الساعة والترفع التافه المسطح للوعي الجمعي ، لمبرر إغراق الشباب ببرامج المسابقات والمنوعات والمهرجانات ، وحصر الأخبار في أخبار مسؤولي الدولة، وعملية غسيل المخ والتضليل السياسي.

مواضيع قد تهمك