دوما كنت مع أن نترك الأطفال يتخيلون ويتلذذون بما يرونه في خيالاتهم، فالعالم لا يُطاق بواقعيته وحروبه وكروبه التي تلفنا من كل الجهات والآهات، ولهذا ما زالت تفرحني فكرة ذلك الرجل المسن الطيب بلحيته البيضاء حين يأتي على زلاجات تقودها غزالات رشيقة تجوب السماء ويدخل من مداخن البيوت الضيقة، ليباغت الأولاد الغارقين في فراديس أحلامهم تاركا لهم هدايا جميلة ملفوفة بورق لميع فوق رؤوسهم، فإذا ما أفاقوا ومسحوا النوم عن عيونهم، وجدوا ما يفرحهم بعيدهم. ولربما أنه وبفكرة بابا نويل يستطيع خيال أؤلئك الصغار أن يهضموا هذا العالم العسير.

فما أتعسنا إذ نكبر، ونكف عن نسج الأمانيات والأحلام. فيا بابا نويل أكاد أشاهد طواحين الهواء تقتحم علينا حياتنا وتقاتلنا فتفر أيامنا مذعورة لنصيح خلفها، ألا من يعد إلينا أحلامنا الهاربة؟ فبدلاً من مصارعة تلك الطواحين الغبية ومواجهة قبح العالم الغريب، ربما كان علينا أن نتقن لغةً الأحلام أكثر، حيث كلُّ ما نشتهي مبذول بغمضة عين، وكلُّ ما نهوى منول بشطحة خيال.

لا أريد لعبة حمراء يا صديقي، بل ما أريد أن تنقشع سحابة الظلم عن بلادنا وعن عين شمسنا، وتذوب في بحر ملح أجاج. أريد لجذوة الحروب أن تنطفئ وتموت رمادا، وأرجو ألا يجرؤ أشرار الأرض ويزدردونها ويتناسلوا حروباً وحروباً تحيل أحلامنا كوابيس سوداء من جديد. نريد وطناً فيه الفراشات يتحلقن وهج القنديل ويمتن بسعادة كسعادة ميلاد طفل لأمير. نريد وطناً لا نشعر به بالجوع، حتى لو نمص حلمات أصابعنا.

كنّا أولاداً طيبين لا يعصون أمراً لأمهاتهم وآبائهم، ننام باكرا كالدجاج ولا نلطخ ثيابنا بالشوكولاته، لأننا لم نأكلها ولم نعرفها في تلك الأزمنة البعيدة. كنا طيعين كمعجون الأسنان؛ فحاول أن تزورنا وتدخل إلى بيوتنا الباردة؛ وتترك لنا عكازات تقيم أحلامنا الكسيحة.

أريدك أن تمسح دمعة طفل نام فوق شجرة خنقها الرصاص في بلادنا المكلومة بالحروب. أريدك أن تبث فرحا في حزن هذا العالم من قطبه إلى قطبه. أريدك أن تعيدني طفلاً يضفِّر شعر الشمس، وإذا ما نادته أمه؛ تظاهر بالموت؛ فتوقظه دودة القز؛ ليطير بأجنحة من حرير. ــ الدستور