الأخبار

م. هاشم نايل المجالي : القوة والأخلاق

م. هاشم نايل المجالي :  القوة والأخلاق
أخبارنا :  

انخرطت البشرية، كما نشاهد، في صراعات محمومة بين معسكرين متصارعين على النفوذ، وعلى المصالح، وعلى المادة. صراع تحرر من كل القيود الأخلاقية والإنسانية، ولم يعد يعترف إلا بمنطق القوة، والهيمنة، والسيطرة، والغلبة. وكل معسكر يبرز ما عنده من أسلحة متطورة ومدمرة للأرض والبشرية والإنسانية، وكل يسعى إلى توسيع دائرة نفوذه.

في المقابل، خسرت المعنى والطمأنينة، وخسرت الإنسان، حيث فُضِّل التطور والتقدم العسكري والتكنولوجي على القيم والمبادئ، وجُعلت المصالح معيار الصواب والخطأ. فعندما تنفصل القوة عن الأخلاق والإنسانية، يتحول التقدم إلى أداة قتل وافتراس بشتى أنواعه وأشكاله.

وتتحول الحضارة التي تتغنى بها إلى واجهة وغلاف براق يخفي وراءه فراغًا روحيًا قاسيًا، لا يشبع جائعًا، ولا يحمي فقيرًا أو ضعيفًا. ففي غياب المكارم والقيم الحكيمة والرشيدة، تخسر البشرية الكثير الكثير، والتي وُجدت أصلًا لتحمي الفقراء والضعفاء، وتمنع تغوّل الطغاة.

لقد خسرت ميزان العدالة الذي تستقيم به الحياة، وخسرت صوت الضمير الذي كان يكبح شهوة الطغيان. فلقد انقلبت الموازين، وأصبح الظلم سياسة، والانحراف استضافة، وكلها تملك التبرير.

إن غياب العدل يفسح المجال لهيمنة الظلم، ومع تراكم المظالم هنا وهناك تتلاشى القيم وتذبل المبادئ، حتى يفقد الإنسان إنسانيته تحت أقدام المصالح والأطماع المادية الدنيئة، ويصبح الاستقواء على الضعفاء سلوكًا مبررًا، بل هناك من يُكافأ عليه.

وفي ظل ذلك كله، وتحت وطأة الدمار والقتل والتشرد، يصبح الإنسان رقمًا هامشيًا في حسابات السياسة، ويصبح سلعة رخيصة في اقتصاد السوق. فلقد سعت تلك الدول الكبرى لأن تجعل شمس الحق توشك على الغروب، وأن العالم ينحدر إلى فراغ أخلاقي.

لقد كان الإنسان يُقاس بعدله وأمانته، لا بحجمه ونفوذه. لقد كانت العصور أكثر مثالية لتحقيق العدالة ومواجهة الظالم، وتؤمن بأن الظلم ليس قدرًا محتومًا ولا حقًا مكتسبًا، لقد تلقت البشرية رسالات السماء، تلقت نداءً واضحًا يربط الإيمان بالعدل، والعبادة بالرحمة، ويحرر الإنسان من عبودية الإنسان إلى سمو القيم العليا.

فماذا اختلف عن تلك الرسالات السماوية؟ أشخاص أصحاب نفوذ وسلطة وهيمنة، اختزلت كل شيء في شعارات براقة، تراس الإنسانية تحت أقدام المصالح والنزاعات الجامحة.

ها نحن نشاهد الجرائم يوميًا، في تحلل أخلاقي ومجافاة صريحة لكل شرع ودين، تُرتكب دون وجل، وتُبرر بلغة باردة، وتُدار بعقول لا ترى في الإنسان إلا رقمًا، وحين يُختزل الألم الإنساني إلى هامش في تقرير، حينها نكون على يقين أن الخلل يكون في منظومة عالمية فقدت بوصلتها القيمية في ظل غياب الضمير، فالعدل روح الحضارة، لا شعار يُستدعى عند الحاجة ثم يُنسى عند أول اختيار.

مواضيع قد تهمك