الأخبار

محمد يونس العبادي : الثقافة.. الحاضر والغائب

محمد يونس العبادي : الثقافة.. الحاضر والغائب
أخبارنا :  

في الأردن ننتج الآف المقالات شهريا، ومن كل الصنوف، وهي حالة صحية نوعا ما في بلد تتعدد همومه، وفيه نسب التعليم مرتفعة، كما أن ما نخوضه من حوارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتجاوز أحيانا حدود الحدث.

ونتحدث في هموم كثيرة، بدءا من قلق الظروف المحيطة بنا، إلى قلق الهوية، ونبدع في نحت مفاهيم كالسردية، والحالة، ويشتد بيننا النقاش في كثير من الأحيان، على أبسط المفاهيم، وما نتخيله من طموح لواقعنا ومجتمعنا، ودوما ما نرى انعكاسات كل ذلك في مجالس أفراحنا وأتراحنا.. نحن في مجتمع يضج بالنقاش غير أن الغائب من كل ذلك، هو المثقف والمنتدى، الذي يجب أن يكون هو الحاضر لا الغائب.

قبل زمان الربيع العربي، كان النقاش كبيرا حول المثقف ودوره، وسلطة الثقافة أو ثقافة السلطة، وإن كان له سلطة بحكم ما يملكه من معرفة ودور تنويري، وأثناء وما بعد هذه المرحلة اكتشفنا أن المثقفين هم الغائبون، وإن حضروا.

واليوم وما نعيشه من حالة ما بعد السابع من أكتوبر، من حالة عربية غير مسبوقة، نرى غيابا لدور المثقف عربيا وأردنيا، بل إن بعض الأسماء، ممن نود سماعها تعتكف، وتطالب الناس بالحضور إليها، ولا يحضر أحد ولا يتكلم المثقف برغم التحولات الكبيرة، خاصة إن كان الحديث نقديا أو تقديم مراجعة.. فلماذا غاب دور المثقف الحقيقي في مجتمعاتنا العربية، وفي بلدنا!؟

هل غياب المنابر هو السبب.. رغم أنها اليوم كثيرة، أم أن غياب الجمهور هو السبب، أم هل ترتبط الإشكالية بما هو أعمق من غياب الدور المؤسساتي الذي بالأصل هدفه جسر الهوة بين المثقف والجمهور، أم أن كثيرا من تنطعوا لدور المؤسسة الثقافية (بالعموم) يجهلون أدوار مؤسساتهم، ولغياب المثقف الإداري فقد غاب ما يثير الحوار مع المثقفين، وبين الأسئلة: هل غياب المثقف الحقيقي هو العلة بالأصل!؟.. هي أسئلة كثيرة لربما لا يتسع مقال للحديث فيها، ولكن مختصر القول إن العناوين كثيرة، والتأثير ضئيل، وذلك رغم الانطباع الأول بكثرة النقاش ?آلاف المقالات والتعليقات التي نراها.

وهي بالفعل كثيرة، حتى أن أصحابها خاصة من «راغبي الظهور» لا تكاد تجد لهم كتابا، أو جهد بحثي له وزنه.. ولا تكاد تتلمس في ما يكتبون معرفة حقيقة، هي بالكاد تكرار لذات الأفكار، وهنا الجرح الكبير في غياب المثقف والمنظر، والإدارة الثقافية، وبالنتيجة الدوران في ذات العجلة من النقاش، دون أن يترك أثره في حياة الناس.

إننا وفي جملة حديث الإصلاح، بحاجة إلى إصلاح المشهد الثقافي، كي لا يبقى هذا الازدحام والاستغراق متوالية في غير فائدة، فالمشهد الثقافي الحقيقي، والمؤسسات الثقافية العارفة لأدوارها، وحدها من قادرة على الفرز.. وصناعة التمييز بين المفيد وغيره.

فالثقافة بدورها ومفهومها الواسع هي ما نريده أن يكون حاضرا، وغيابها في زمن التحولات، وغياب المؤسسات التي منوط بها هذا الدور هو ما يصوغ مشهد الفراغ، ويجعل المجتمعات غارقة في الجدل بدل النقاش، ويجعل من الثقافة ومؤسساتها منابر حوار حقيقي.. فالمثقفون مهما كانت الظروف قاسية والتحولات كبيرة، يستطيعون أن يقدموا الأفكار الكبيرة، ألم يحن الوقت كي تنشط مؤسساتنا الثقافية لتأخذ دورا مسؤولا ومحبا لوطنه وناسه!. ــ الراي

مواضيع قد تهمك