حسين بني هاني : هل يتعايش العرب واليهود في الشرق الأوسط ؟

ربما ! وهذا ممكن، إذا توفرت النيّة لدى الطرفين ، وتمّ تلبية حقوق الفلسطينيين ، رغم أن أمةُ العرب اليوم تبدو وكأنها مجموعة من الناس وقعت في متاهة ، يصعب الخروج منها ، وصفها البعض بأنها متاهة الضائعين .
لعل قلةً من عقلاء السياسة في المنطقة، اصحاب الفطنة فيها ، من بينهم الأردن ، يدركون إلى أين نحن ذاهبون، ويكررون التحذير من القادم والمجهول، التطورات المتلاحقة والمتسارعة فيها، تبدو للبعض عصيّة على الفهم، رغم ان مآلاتها واضحة .
إسرائيل هي الوحيدة المستفيدة من الظرف الراهن رغم خسائرها في غزة ، وهي تعرف بالتأكيد ما تريد منها، منذ قيامها وحتى اليوم ، نحن للاسف في خضمّ منطقة يكاد يتخاصم فيها الجميع، عرب وفرس وأتراك واكراد، رغم أن جلّهم مسلمون ، ولم يبقى سوى أُخوّة بني معروف (الدروز) ، الذين بدأت إسرائيل تستدرج زلاّتهم وزلاّت اخوتهم السوريين ، باعتبارهم آخر مكوّن اجتماعي ( يمكن تحريضه ) ، بدأت يدها تمتدّ اليه اليوم . جزءٌ من احداث المنطقة، يدعو إلى الاستهجان ، بل بعضها جعل العرب بعد ذاك الذي "سمي بالربيع "أثراً بعد عين .
أحداث طالت فيها سكْرَةُ العرب ،وغُشيت فيها أبصارهم، وحار فيها الناس والساسة إلى أي طرف يميلون، فلا أحد في العالم أو حتى بين العرب، قادرٌ اليوم أن يقود المنطقة، خارج هذه المتاهة، ولم يعد ينقصها سوى سياسات ترامب الاخيرة، لكي تكتمل حلقات الضيق فيها .
كل شيء جعله الغرب علينا فعلاً غير منتج ، بل فعلٌ مبنيٌ للمجهول ، بعد أن أدارت حرب غزة ظهورهم إلينا ، وانكشفت مواقفهم ، بل عوراتهم السياسية وعدم أنصافهم لقضايانا، ونفاقهم تجاهنا، وزاد طمع الآخرين فيها خاصة إسرائيل، وزاد معها منسوب القهر، بشكل قلل الشعور بالطمأنينة لدى الناس، اولئك الذين اخذ يصدمهم تسارع سلبية الأحداث ، وآخرين ينتابهم القلق من إنقطاع حبل الود والنجاة، خاصة الفلسطينيين في غزة والضفة، التي باتت نهباً لغطرسة الجيش الاسرائيلي والمستوطنين ، ومما يتكدّس حولهم وبينهم من حروب، بعضها قائم تشنّه إسرائيل، في غزة وسوريا ولبنان ، لإرساء مجالها الحيوي، وتمهيد الطريق لتشكيل نفوذها، وأخذ دورها القائد في الشرق الأوسط الجديد، الذي يبشر به نتنياهو، بل تقاسم منافعه ومواقعه مع واشنطن ، وعلى مرأى من الجميع، بعد ذاك الخراب الواسع، الذي أجتاح طول العالم العربي وعرضه . وأخرى دامية توشك أن تندلع في قادم الأيام في ايران ، إذا فشلت المحادثات القائمة الآن مع واشنطن، لإخضاعها ومعها المنطقة كلها، لمفهوم التفوّق الشامل للولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل .
ما أشرت إليه آنفاً، ليس دعوة لليأس والاستسلام، وانما محاولة للفهم ، في ظل وابل من التضليل والخداع الغربي للعرب ، إذ لم يعد لدى المتابعين شك ، بعد كل ما جرى، أن هؤلاء جميعاً، خاصة بعد أن كشفت قصة غزة ، زيف مواقفهم، كانوا ولا زالوا يؤمنون بفكرة التفوّق الحضاريّ علينا ، ويبنون سياساتهم في المنطقة وفقها، ويريدون أن يقطعوا الطريق على كل من يحاول الحدّ من نفوذهم وسيطرتهم فيها ، وبصرف النظر عن الثمن المطلوب، أو الدماء التي سفكت أو يمكن أن تسفك ، في كل بلاد العرب .
تلك لعمري مشكلة، لم يستطع كثير ممن تولّوا دفة الحكم في المنطقة ، عبر الزمن ، سبر غورها أو فهم معطياتها ، منذ الحرب الكونية الثانية ، أو استطاعوا أن يجدوا حلاً لها معهم ،رغم تقادم السنين عليها ، لا عن طريق التفاهم العابر للمصالح ، ولا عن طريق بناء الذات ، أسوة بما حدث في كثير من دول العالم .
كل ساسة العرب والمنطقة، يعرفون أن واشنطن قد تولّت شؤون الشرق الأوسط، بعد أن غربت شمس القارة العجوز، ولكن قلة منهم ، من أتقن لغة التعامل معها، أو استوعب تطابق مصالحها مع أهداف إسرائيل فيها ، وهو ما خلق اشكالية في السياسة العربية عبر الزمن ، تباين بموجبها الاجتهاد ، وتداخل فيها اختلاف الرأي بسوء الظنّ.
يبدو أن النفق الذي أدخلتنا إسرائيل فيه اليوم، بسبب ما تفعله بالمنطقة ، ويؤيده الغرب ، إن في غزة أو غيرها في المنطقة ، ويسكت عنه العالم، يؤكد لنا ، بأنه حين تلتقي حجة السياسي الضعيفة، مع الإفلاس الأخلاقي عند ساسة الغرب ، في تطبيق حزمة القِيم ، التي دعوا إليها ودافعوا عنها،وتنكروا علينا بها، ونشأت بموجبها الأمم المتحدة ، أن بوابة واسعة للخلاف ستبقى قائمة، وتوشك أن تُفتح بموجبها ثغرة، لدخول الجميع في المتاهة ذاتها ، العابرين فيها منهم ، والمقيمين على حدٍ سواء .
الواقع القائم اليوم في المنطقة، كما يقول شكسبير ، "لم يعد فيه الماضي إلاّ توطئة ، اما الآتي فأنه يتوقف علي وعليك "، وإذ جاز ليَ الإضافة ، فأنه يتوقف على العقلاء في هذا العالم ايضا ، قبل أن يُجهز المهووسون والمتطرفون فيه ، على ما تبقى في هذه المنطقة من أمل، ويفعلون بها مالا يحمد عقباه، هم وحدهم المتطرفون والمتشائمون ممن يبغونها عِوَجا ، من كلا الطرفين، الذين يريدونها ملحمةً كبرى في المستقبل ، إن غابت عنها الحكمة واستوطن فيها اليأس .