الأخبار

د. احمد بطاح : من دروس الحرب الروسية الأوكرانية

د. احمد بطاح : من دروس الحرب الروسية الأوكرانية
أخبارنا :  

إنّ مما لا شك فيه أنّ الحرب الروسية الأوكرانية من الحروب المهمة التي يشهدها العالم المُعاصر، فهي تدور بين دولة عظمى (روسيا)، ودولة متوسطة (أوكرانيا)، وقد كانت الثانية جزءاً من الاتحاد السوفييتي الذي تزعمته روسيا حتى استقلالها عام 1991، وفضلاً عن ذلك، فإنّ كلتا الدولتين أوروبيتان (مع أن روسيا تمتد في القارة الآسيوية أيضاً)، كما أنّ الشعب في كلا البلدين ينتمي إلى العرق السلافي.

إنّ هذه الحرب الضروس التي تدخل عامها الثالث تدعو إلى التأمل في جوانب كثيرة، ولا يسع المُحلّل الموضوعي إلّا أن يستنتج عدداً من الدروس، ولعلّ أهمها:

أولاً: «التموضع» الفاشل الذي مارسته أوكرانيا، فرغم أن من بديهيات السياسة أنها «فن الممكن» فقد نسيت أوكرانيا أنها تُجاور دولة نووية عظمى مساحتها أكثر من 17 مليون كيلو متر مربع، وتفوقها في التعداد السكاني بأكثر من ثلاثة أضعاف، وتنتمي شريحة سكانية كبيرة في حدودها الشرقية إلى العرق الروسي، وتتكلم اللغة الروسية. نسيت أوكرانيا كل ذلك وأرادت الانتساب إلى حلف الناتو (عدو روسيا الأول)، وإلى الاتحاد الأوروبي. إنّ هذا «التموضع» غير المُوفق استفز روسيا التي لم تجد أمامها سبيلاً إلّا أن تهاجم جارتها أوكرانيا دفاعاً عن ?منها القومي، ومجالها الحيوي.

ثانياً: محدودية القوة مهما بلغت، فمع أنّ روسيا تملك ثاني أقوى جيش في العالم مُسلّح بأكثر من 6,000 رأس نووي استراتيجي فإنها لم تستطع أن تهزم أوكرانيا هزيمة كاملة. صحيح أنها احتلت مُعظم أجزائها الشرقية (الدونباس + خيريسون + زابروجيا) إلّا أن الأوكرانيين أبدوا مقاومة عنيفة، بل أجبروا القوات الروسية على الانسحاب في أكثر من مرة، وقد استولوا قبل سنة على منطقة «كورسك» الروسية (أكثر من 1,000 كم2) رغم أنهم اضطروا للانسحاب منها مؤخراً. إنّ هذه الحرب تدل بلا شك على أن للقوة حدوداً مهما بلغت وقد حدث هذا من قبل حين اضط?ت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من فيتنام، وحين اضطر الاتحاد السوفييتي إلى الانسحاب من أفغانستان، وحين اضطر حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة إلى الانسحاب من أفغانستان وترك البلاد «لطالبان» بعد عشرين سنة من الاحتلال!

ثالثاً: «تواضع» قوة أوروبا أمام روسيا فمع أنها دعمت أوكرانيا بغير حدود وعلى جميع الأصعدة، إلّا أنها لم تستطع هزيمتها، وها هي الآن لا تملك أن تفعل شيئاً مُؤثراً وهي ترى الولايات المتحدة تحت رئاسة ترامب تريد أن تعقد صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا.

إنّ أوروبا لا تستطيع مناطحة روسيا، بل هي تستند بشكل واضح إلى الولايات المتحدة التي تؤمن لها الحماية الاستراتيجية ضد روسيا من خلال حلف الناتو. ومن المعروف أنّ أوروبا غزت روسيا مرتين: الأولى كانت على يد نابليون (1812) والثانية كانت على يد هتلر (1941)، وهي ما زالت تشعر إزاءَها بالعداء، ولكنها لا تستطيع أن تطاولها في القوة والنفوذ حالياً.

رابعاً: «الدور الحاسم» الذي تلعبه الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وفيما يتعلق بهذه الحرب (الروسية الأوكرانية) أيضاً، ففي عهد «بايدن» حيث بدأت الحرب في عام 2022 أيدت الولايات المتحدة أوكرانيا، وجندت العالم ضد روسيا ولنصرة أوكرانيا، وغني عن القول إن وقوفها مع أوكرانيا كان له أثر كبير في وقف الغزو الروسي والحد من امتداده، أمّا في عهد «ترامب» الحالي، فإنّ الولايات المتحدة لا تريد أن تُبقي على الدعم الهائل لأوكرانيا بل تحضها على «التفاهم» مع روسيا حتى ولو أدى الأمر إلى التنازل عن شبه جزيرة القرم وما احتلته ?وسيا من شرق أوكرانيا. إنّ هذا يعني ببساطة أن الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي وهي التي تستطيع تسعير الحرب أو وقفها!

خامساً: «عجز» المؤسسات الدولية عن وقف الحروب حين تكون إحدى الدول العظمى (التي تملك الفيتو في مجلس الأمن الدولي) طرفاً فيها، فمع أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أدانت بشكل واضح الغزو الروسي، وكذلك معظم المنظمات الأممية، إلّا أنّ هذه المنظومة الدولية لم تستطع أن تفعل شيئاً بسبب امتلاك «روسيا» للفيتو في مجلس الأمن الدولي الذي يملك السلطة الحقيقية في قضايا الحرب والسلام إذا كان هناك توافق بين أعضائه الخمسة. إنّ الحرب الروسية الأوكرانية دلت بوضوح على أنّ المنظومة الدولية تظل عاجزة عن الفعل الحقيقي حينما تكون إح?ى الدول العظمى طرفاً في أحد الصراعات، وهو ما يجب أن تتم دراسته بعمق ومسؤولية من قِبَل المجتمع الدولي للوصول إلى نظام أكثر عدلاً وقدرةً على تحقيق سلام عالمي حقيقي.

مواضيع قد تهمك