أ. د. عبد الزراق الدليمي : لمصلحة من هذه المؤامرات ضد الأردن..؟؟

قبل يومين، تمكنت الأجهزة الأمنية الأردنية من الكشف عن خلية إرهابية كانت تخطط لتنفيذ عمليات تهدد أمن واستقرار المملكة. هذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها الأردن أمام محاولات تستهدف وحدته وسلامته، لكنها تذكير صارخ بأن التحديات لا تزال قائمة، وأن هناك أطرافاً تسعى باستمرار لضرب استقرار هذا البلد الذي يمثل واحة أمان وسط منطقة مضطربة. فالأردن ثابت في مواقفه، مستقل في قرارته، وراسخ في تحالفه مع شعبه. والمؤامرات، مهما تعاظمت، ستفشل أمام جدار الوعي الأردني ووحدة الصف الوطني.
لمصلحة من هذه المؤامرات؟ الأردن، بما يمثله من موقع استراتيجي وسياسة متزنة، أصبح شوكة في حلق من يسعى لتوسيع نفوذه عبر الفوضى. القوى التي تحرك هذه الخلايا غالباً ما تستهدف البلدان التي تملك ثوابت وطنية قوية، وتحظى بقيادة وشعب يدرك خطورة المرحلة. لا يمكن فصل هذه المحاولات عن سياق إقليمي أوسع، حيث تتصارع مشاريع وأجندات، ويحاول البعض تصدير أزماته عبر خلق أزمات في دول الجوار. ورغم كل هذه المحاولات، فإن الرد الأردني كان دائماً حاسماً. الأمن مستتب، والتماسك الشعبي أقوى من أن تهزه قوى ظلامية أو أجندات مشبوهة. بل إن هذه الأحداث تكشف للعالم مدى يقظة مؤسسات الدولة، وتدلل على أن الأردن ليس لقمة سائغة لأعدائه.
في الوقت الذي يكافح فيه الأردن لترسيخ الاستقرار داخلياً والمساهمة في جهود التهدئة إقليمياً، تطفو إلى السطح بين الحين والآخر محاولات مشبوهة لزعزعة أمنه، كان آخرها ما كشفته الأجهزة الأمنية قبل يومين عن خلية إرهابية تخطط لاستهداف أمن المملكة. ليست هذه الحادثة معزولة أو طارئة، بل تأتي ضمن سلسلة من التهديدات التي تواجه الأردن، والتي تدفعنا للتساؤل: لمصلحة من تُحاك هذه المؤامرات؟ وما هي الرسائل الخفية وراء استهداف هذا البلد تحديداً؟.
الأردن كعامل توازن إقليمي منذ عقود، يتمتع الأردن بسياسة خارجية متزنة قائمة على الحياد الإيجابي، والانخراط البنّاء في الملفات الإقليمية، والابتعاد عن الاستقطابات الحادة. هذا الموقف جعله لاعباً موثوقاً لدى العديد من الأطراف الدولية، ووسيطاً مقبولاً في أزمات عدة، من العراق إلى فلسطين وسوريا. هذه «الوساطة» لا ترضي بعض الأطراف المتطرفة أو الدول ذات الأجندات التوسعية، التي ترى في استقرار الأردن حجر عثرة أمام طموحاتها. من هذا المنطلق، فإن استهداف الأردن قد يكون جزءاً من سعي هذه القوى إلى إعادة تشكيل خريطة التأثير في المنطقة، بإسقاط الأنظمة المعتدلة واستبدالها بأذرع عقائدية أو مليشياوية تتبع أجندات خارجية.
الجبهة الداخلية واستراتيجية الاختراق الناعم الأردن، رغم التحديات الاقتصادية، يملك مجتمعاً متماسكاً وقوى أمنية ذات كفاءة عالية. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن البلد بمنأى عن محاولات «الاختراق الناعم»، حيث تسعى بعض الجهات إلى استغلال الهشاشة الاقتصادية، والضغوط المعيشية، وحالة الاستقطاب السياسي لإيجاد بيئة قابلة للتجنيد أو التحريض أو التأليب. ما جرى من إحباط لمخططات إرهابية في الآونة الأخيرة يدل على أن هناك محاولات لتغذية خلايا نائمة، أو خلق حالة من البلبلة وزعزعة الثقة بين المواطن والدولة. هذا النوع من الحروب – غير التقليدية – يتطلب وعياً جماعياً وتحصيناً فكرياً ومجتمعياً، إلى جانب الجهد الأمني.
موقع الأردن في معادلة الصراع على فلسطين لا يمكن إغفال أن الأردن هو الجار الأقرب لفلسطين، وهو صاحب أطول حدود مع الأراضي المحتلة، ولديه دور محوري في ملف القدس ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها. هذا الدور، والذي يحظى بشرعية تاريخية ودينية، لا يروق لبعض الجهات التي تسعى إلى إعادة رسم السيطرة على القدس والمقدسات من خلال تغييب الدور الأردني أو تهميشه.إن زعزعة أمن الأردن قد تكون محاولة لخلق فراغ سياسي وأمني يمكن ملؤه لاحقاً بأطراف بديلة تخدم مصالح تلك الجهات، خاصة في ظل التصعيد المتواصل في الأراضي الفلسطينية.
التوقيت ليس عبثياً من المهم أن نقرأ توقيت الكشف عن هذه الخلية الإرهابية في سياقه الإقليمي والدولي. فالأردن يشهد حراكاً دبلوماسياً نشطاً في عدد من الملفات الحساسة، سواء في إطار المساعدات الدولية، أو التنسيق الأمني، أو المواقف من العدوان الإسرائيلي على غزة. من المحتمل أن تكون هذه المؤامرة رسالة ردع أو تشويش، تستهدف إرباك الداخل وإرسال إشارات ضغط على القرار الأردني. لكن الأردن اعتاد أن يتعامل مع التهديدات لا بالخضوع، بل بالحزم والتماسك، وهذا ما أكدت عليه مرة أخرى أجهزة الأمن الأردنية التي قامت بإحباط المؤامرة بكفاءة ومهنية عالية.
الأردن عصيّ على الكسر رغم ما يواجهه من ضغوط ومؤامرات، يبقى الأردن رقماً صعباً في معادلة المنطقة. قدره أن يكون في قلب العاصفة، لكنه دائماً ما يخرج منها أكثر صلابة. ما كشفته الأجهزة الأمنية ليس فقط نجاحاً أمنياً، بل رسالة واضحة مفادها أن البلد محصّن بقيادته، وأجهزته، وشعبه، ووعيه الجمعي.وإذا كانت المؤامرات تأتي من خارج الحدود، فالوحدة الوطنية واليقظة الشعبية تبقى خط الدفاع الأول الذي يُفشل كل رهان على زعزعة الأردن أو كسره.
من المستفيد؟ واضح ان تقديم تحليل سياسي أو تحديد الجهة المستفيدة من هذه المؤامرات ضد الأردن. يتطلب تحديد دوافع مثل هذه الأعمال الإرهابية وتحليل المستفيدين منها تحقيقات أمنية واستخباراتية معمقة ومعلومات دقيقة قد تكون متاحة الان ومع ذلك، يمكننا أن نشير الى بعض النقاط العامة التي غالبًا ما تكون ذات صلة في تحليل مثل هذه الأحداث: زعزعة الاستقرار: تسعى الجماعات الإرهابية عادة إلى زعزعة استقرار الدول ونشر الفوضى والخوف لتحقيق أهدافها الأيديولوجية أو السياسية.
التأثير الإقليمي: قد تكون هناك جهات إقليمية تسعى إلى إضعاف دور الأردن الإقليمي أو التأثير على سياساته.
أجندات داخلية: في بعض الحالات، قد تكون هناك أجندات داخلية تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية من خلال خلق حالة من عدم الاستقرار.
أيديولوجيات متطرفة: غالبًا ما تنطلق الجماعات الإرهابية من أيديولوجيات متطرفة تسعى إلى فرض رؤيتها بالقوة والعنف.
رغم اهمية كل ما اشرنا اليه اعلاه من المهم جدا الاعتماد على المصادر الرسمية والمعلومات الموثوقة التي تعرضها لفهم ملابسات هذه القضية وتجنب الانسياق وراء الشائعات والتكهنات لاسيما مع وجود الأجهزة الأمنية والقضائية الخبيرة والمتمكنة من اداء مهامها بافضل المعايير المعتمدة دوليا وهي الجهات المخولة بالكشف عن الحقائق وتقديم المعلومات للجمهور. وسيتم حتما الكشف عن جميع الحقائق وتقديم المتهمين المسؤولين عن هذه الجرائم للعدالة بما يحفظ أمن واستقرار الأردن.