الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : في يوم العَلَم الذين لم يُسقِطوا الراية

اسماعيل الشريف يكتب : في يوم العَلَم الذين لم يُسقِطوا الراية
أخبارنا :  

أخذ الراية جعفر، فقُتل، فأخبرني جبريل أن الله أبدله بجناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء حديث.

على ثرى الأردن، التقط جعفر بن أبي طالب الراية قبل أن تسقط من يد زيد بن حارثة، واحتضنها وقاتل بثبات دفاعًا عنها، حتى قُطعت يمينه، فأمسكها بشماله، فقطعت هي الأخرى، فضمّها بعضده وصدره حتى سقط شهيدًا، وقد أُصيب رضي الله عنه بأكثر من تسعين طعنة، كلها في صدره. ورغم سقوطه، أبت الراية أن تسقط، فحملها عبد الله بن رواحة، ثالث القادة الذين عقد لهم رسول الله، لكنه تردد في البداية، فهي مسؤولية عظيمة، ورمز للدين والمبدأ. غير أنه ما لبث أن نهض مخاطبًا نفسه: «يا نفس، إلا تُقتلي تموتي... هذا حِمامُ الموتِ قد صليتِ.» ثم اندفع يقاتل حتى استُشهد، دون أن تسقط الراية، إذ تولّاها بعده سيدنا خالد بن الوليد، فعاد بالجيش سالمًا إلى المدينة ورايته خفاقة، فسماه رسول الله: سيف الله المسلول.

في جميع دول العالم، تُرفع الأعلام فوق الساريات، ويحملها مشجعو كرة القدم، والمتظاهرون، ومسيرات الثورات. منهم من يموت لأجلها، ومنهم من يحرقها ويدوس عليها. رفعها الرومان الجدد وغرسوها في أماكن كثيرة؛ يراها بعضهم رمزًا للعبودية، وآخرون يرونها راية للتمرّد، وآخرون وضعوها خلفهم يوم قُطعت الرؤوس.

لكن علمنا مختلف عن كل أعلام الدنيا. فهو نفس العلم الذي حمله سيدنا جعفر الطيّار، ودافع عنه مصعب بن عمير، جميلُ مكة وزاهدُها ؛ ففي معركة أُحد، رفعه بيمينه فقُطعت، فرفعه بيساره فقُطعت، ثم احتضنه حتى استُشهد. وهو العلم نفسه الذي حمله رافع بن خديج حين انكفأ جيش المسلمين في حُنين، فرفعه ليدلّ المذعورين على طريق العودة، ويُعلِّم الجبناء معنى الثبات. وهو ذاته التي حمله البراء بن مالك في معركة اليمامة، حين طلب أن يُقذف في قلب الحصن، فوُضع على ترس ورُمي كالسهم، فارتفع العلم على الأسوار، وتمّ الفتح للمسلمين.

هؤلاء هم الذين لم تُسقِط أيديهم الراية، ورايتُنا اليوم، وهي عالية خفّاقة، إنما تستمدّ عزّتها من تلك الرايات التي لم تسقط، والتي دافع عنها أجدادُنا بأرواحهم. إنها تُجسِّد التاريخ المتصل للحضارة الإسلامية؛ ألوانها تحكي حقبًا ناصعة من المجد. فاللون الأسود هو راية رسول الله، واتخذه العباسيون من بعده رمزًا لهم، والأبيض كان راية الدولة الأموية، والأخضر راية الفاطميين وشعار آل البيت، أما الأحمر، فهو راية الهاشميين منذ جدّهم أبي نُمَيّ. والمثلث الأحمر يجمع الأشرطة الثلاثة للسلالة الهاشمية، أما الكوكب السباعي، فيدلّ على فاتحة القرآن من السبع المثاني، وتوسّطه في قلب المثلث يرمز إلى هدف الثورة العربية الكبرى: توحيد الشعوب العربية.

هو علمُ أرضٍ مقدّسة، علمُ المملكة الأردنية الهاشمية، رايةُ أرض الرباط، وأكناف بيت المقدس، كما وصفها رسول الله. إنها الراية التي ستعبر شرق النهر، وستُرفع بإذن الله على أسوار المسجد الأقصى. هي راية الصحابة والشهداء الذين تزيّن بهم ثرى الأردن، ورايةُ حُكّامنا من رحم النبوّة، وقادةِ الثورات على الظلم؛ من سيدنا الحسين، أحد سيدي شباب أهل الجنة، إلى الشريف الحسين بن علي، مرورًا بمحمد النفس الزكية.

علمُنا هو امتدادٌ لتاريخنا، وبوابةٌ لمستقبلنا المشرق، ورمزٌ لوحدتنا وهويتنا الوطنية، ولتنوعنا الديني، والأيديولوجي، والعرقي. يجمعنا، ونستظلّ به، ويوحّدنا. نعود إليه حين نختلف، وقد نختلف من أجله.

يوم العَلَم هو احتفالٌ بالعهد الذي عقدناه مع آبائنا الذين بنوا هذا الوطن، وهو مناسبة نجدد فيها بيعتنا لقيادتنا الهاشمية. إنه يومٌ لتكريم الرجال والنساء الذين استُشهدوا في سبيل الوطن، ورمزٌ للاعتزاز بقواتنا المسلحة الباسلة، وأجهزتنا الأمنية، ومؤسساتنا الوطنية، وكل رجل وامرأة يعملون، في أي موقعٍ كانوا، من أجل رفعة الأردن وعلوّ شأنه.

هو فرصةٌ للالتقاء، والشعور بالهوية الوطنية، وتعزيز قيم الديمقراطية، والحرية، والتنوّع، والأمل في مستقبلٍ مشرق. وهو أيضًا مناسبةٌ لتثقيف أبنائنا، وغرس القيم التي تعلّمناها من آبائنا، واستحضار تاريخ الأردن المضيء، وإعلاء مكانة العَلَم، وآداب التعامل، والإجابة عن تساؤلاتهم.

أرفع اليوم علم بلادي، كما رفعه أبي من قبلي، وسيحمله ابني من بعدي. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك