الأخبار

علي ابو حبلة : في يوم الأسير الفلسطيني

علي ابو حبلة : في يوم الأسير الفلسطيني
أخبارنا :  

يواجه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي أوضاعاً مأسوية بلغت ذروتها في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023. وقد مست هذه الأوضاع كل جوانب الحياة في السجون، من أسلوب التعامل مع الأسرى إلى ظروف الحياة والمعيشة وكميات الطعام ونوعيتها وغير ذلك.

ومع أن كل الأسرى في سجون الاحتلال يعانون جراء ظروف اعتقال مأسوية، فإنه يمكن القول إن هناك سجوناً أسوأ من الأُخرى من ناحية الأوضاع المعيشية والعنف الذي يتعرض له الأسرى، وخصوصاً سجن النقب وسدي تيمان ، فمن خلال تتبع شهادات الأسرى والتقارير الصادرة عن المؤسسات المعنية بهم، يتضح أن ظروف الأسرى تتباين من سجن إلى آخر بشكل طفيف، بيد أن مجمل الشهادات والتقارير الواردة عن أوضاع السجون بعد السابع من أكتوبر، تشير إلى أن هناك أوضاعاً مشتركة يعاني جرّاءها الأسرى في السجون كافة.

ومع أن هذه الأوضاع المأسوية شملت كل الأسرى، فإن معتقلي قطاع غزة، الذين اعتُقلوا منذ السابع من أكتوبر وخلال التوغل البري في القطاع، تعرضوا لظروف أسوأ وأقسى مما تعرض له بقية الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما في معسكرات الاعتقال التابعة لجيش الاحتلال.

ما قبل بعد 7 أكتوبر، وضع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لنفسه عدة أهداف فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين ومنها «تحسين مستوى العقوبة، السجن والتأهيل لمنع الحوادث»، ولتحقيق هذه الأهداف وضع عدة وسائل، أبرزها: تعزيز سلطة الحكم في السجون إزاء الأسرى الفلسطينيين من أجل منع «الإرهاب»، من خلال تقليل الامتيازات الممنوحة للأسرى. لكن، خشية انفجار الأوضاع الأمنية، تأجل تنفيذ قرارات بن غفير. وجاءت أحداث 7 أكتوبر لتزيل أي عائق يحول دون التضييق على الأسرى والتنكيل بهم. فقامت السلطات الإسرائيلية بفرض جملة من الإجراءات التنكيلية ضمن سياسة العقاب الجماعي القاسية اللاإنسانية التي تصل حد التعذيب التي يمر بها الأسرى الفلسطينيون، مع فقدانهم كل إمكانية للدفاع عن أنفسهم والحصول على إجراءات عادلة.

وفي إشارة إلى التضييق على الأسرى الفلسطينيين، فقد تم إتباع سياسة «الحد الأدنى»، إذ أعلنت «مصلحة السجون الإسرائيلية»، في تاريخ 17/10/2023، حالة طوارئ في السجون، وأكدت المفوضة العامة للسجون تقليص شروط المعيشة للمصنفين أمنيًا، وأن «ما كان سابقًا في سجون الأمنيين لن يكون بعد اليوم». في حين يُعرّف معتقلو غزة (بعد 7 أكتوبر) كـ «مقاتلين غير شرعيين»، يخضعون مباشرة للجيش وليس لمصلحة السجون، إذ تمنع إسرائيل أي تواصل معهم عن طريق الصليب الأحمر أو المحامين، ولا تُصرّح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم، وحين يتم إحضارهم أمام قاض يتم ذلك من دون محام وعن طريق الفيديو كونفرنس.

واستنادًا إلى تقارير حقوقية، فإن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، يتعرضون بشكل يومي لأبشع صنوف العذاب والانتهاكات والتجاوزات. مع أهمية التأكيد أن الهجمة على الأسرى الفلسطينيين وما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة تطاول حقوقهم الأساسية، موجودة منذ بداية الاحتلال. ولم تكن حياة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون «فندق سبع نجوم»!. لكن بعد 7 أكتوبر، الظروف والممارسات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون فاقت وتجاوزت كافة الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، وفي مقدمتها القانون الإنساني الدولي، و»اتفاقية جنيف الرابعة»، ومبادئ حقوق الإنسان، و»النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية».

ومن الجدير ذكره إلى أن كل ما يُعرف عن معاناة الأسرى، من تعذيب واعتداءات جسيمة، مصدره شهادات أسرى مفرج عنهم أو زيارات المحامين للأسرى في السجون، وما يُكشف ضمن هذا الجانب ليس إلاّ جزءاً بسيطاً من الواقع الذي يتعرض له الأسرى، لأن كثيرين منهم يمتنعون من الإدلاء بشهاداتهم، سواء للمحامين داخل السجون، أو بعد الإفراج عنهم، لأنهم يتلقون تهديدات مباشرة من السجانين بالعقاب في حال أفصحوا عمّا يتعرضون له في السجون. وقد تعرض العديد من الأسرى للتعذيب داخل السجون لأنهم أخبروا المحامي أو القاضي الإسرائيلي في أثناء المحاكمات بما يتعرضون له.

مجمل الأوضاع التي يعاني منها الأسرى تسببت بتدهور حالتهم النفسية والصحية، وانتشار الأمراض المعوية والجلدية والتنفسية فيما بينهم، وتهديد حياة الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى تغذية جيدة تتناسب مع حالتهم، مثل مرضى السكري وضغط الدم. ويترافق هذا مع الحرمان من الحق في العلاج والدواء والرعاية الصحية، ما يعني أن الأسرى يواجهون خطراً حقيقياً يهدد حياتهم. فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى تاريخ نيسان 2025، استشهد العشرات في سجون الاحتلال بسبب التعذيب والإهمال الطبي وتردي أوضاعهم المعيشية، معظمهم من أسرى غزة. وعلى الرغم من عدم دقة الأرقام عن عدد ممن استشهدوا نظراً إلى إخفاء سلطات الاحتلال أوضاع الأسرى في السجون، فإنه العدد مرشح للزيادة بسبب تعرض الأسرى لإصابات وأمراض متعددة تؤثر في حياتهم بعد خروجهم من السجن.

ولذلك، يحتاج الأسرى إلى جهود دولية وتحرك على كافة المؤسسات الحقوقية والمنظمات الإنسانية والصليب الأحمر لإنقاذهم من الخطر الداهم الذي يواجههم. ومن الواضح أنهم فقدوا قدرتهم النضالية داخل السجون، وقدرتهم على خوض إضرابات جماعية أو فردية احتجاجاً على تردي أوضاعهم، بسبب حالة القمع الإجرامية، ويقينهم بأن سجاني الاحتلال لن يترددوا في قتلهم إذا اتخذوا أي خطوة نضالية. وعليه، فإن مصير الأسرى وتحسن أوضاعهم مرتبطان بتفاعل الشارع الفلسطيني مع قضيتهم، من خلال تحرك شعبي ورسمي وعلى كافة المستويات ، لأن هذا العامل كان الرادع للاحتلال لعدم استفراده بالأسرى قتلاً وتعذيباً وتجويعاً.

مواضيع قد تهمك