رمزي الغزوي : السكاكينُ التي خبّأها الظل

ما الذي يدفع ابنا لهذا الوطن، نشأ على ترابه وتنفس من هوائه، أن يختار خيانته؟ ويحول الولاء إلى مؤامرة؟ ليس السؤال عن الدافع وحده، بل عن الجذور التي سمحت للفكر أن يتحول إلى سكين، وللانتماء أن يصير قناعا هشا يخفي مشروعا للدمار. في زمن يشتد فيه الخطر من كل الجهات، لا يكون الجرم في الفعل فقط، بل في النية التي تتغذى على الغدر، وفي الصمت الذي يربت على كتف الخيانة.
ما كشف مؤخرا عن خلايا إرهابية مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين ليس مجرد حادثة أمنية عابرة، بل ارتطام بحقيقة حاولنا أن نؤجل مواجهتها. لقد اعتقدت الدولة، بحسن نية أو بصبر استراتيجي، أن الاحتواء أذكى من المواجهة، وأن الشراكة قد تعيد التنظيم إلى حضن الوطن. لكنها كانت تراهن على كيان يرى في الأردن كيانا مصطنعا أو محطة، لا دارا، ويخزن الولاء في خزائن الغيب الخارجية. سنوات من التسامح لم تكن كافية لإقناعهم بأن الوطن لا يساوم عليه.
على مدى أربع سنوات، كانت الخلية تعمل في الظل. تجمع السلاح، تصنع الصواريخ، ترسل العناصر للتدريب خارج البلاد. لا مبرر وطني ولا مشروع مقاومة، بل أوامر تصدر من وراء الحدود، وأصابع تحركها أجندات لا ترى في الأردن سوى ساحة عبور.
البيان الذي صدر عن الجماعة كان ساذجا وكأنه كُتب على استحياء. لم يحترم عقولنا، فلا صوت فيه يُدين، ولا موقف يُقنع، بل مراوغة تحاول تغليف التواطؤ بحجة المقاومة. لم يكن بيانا يليق بحجم الجريمة، بل كان أقرب إلى شهادة باردة على حريق مشتعل. ترك الأسئلة بلا إجابات، وفتح الباب للشكوك بدل أن يغلقه. كان يمكن للجماعة تتبرأ، لكنها اختارت أن تكتفي بغسل الكلمات.
تعبنا من أربع وأنصاف الولاءات المبتورة، ومن تنظيرات تجمّل الخراب تحت لافتات مثقوبة باهتة. هذا وقت الحقيقة: لا مهادنة لمن يختار الحقد على الوطن عقيدة، ولا تسامح مع من يرى في أمن الأردن قضية ثانوية. ويبقى السؤال مفتوحا أمام إنسان صادق: ماذا سنخسر إن خسرنا قدرتنا على الحسم؟ وهل يبنى وطن على المجاملة بينما السكاكين تشحذ في الظل