ابراهيم عبد المجيد القيسي : هل سيفهمون ويعترفون بالخطأ ؟!

الناس العاديون، المنشغلون بأمور حيواتهم، لا يبطنون عداء لا للإخوان المسلمين، ولا لغيرهم، لكنهم يتعرضون للصدمة الكبيرة، حين يكتشفون بأنهم غفلوا عن خطر كبير، يستهدفهم، ومصدره هذه الجماعة، فهم في الواقع لا يهتمون بتحليل وفهم خطاب الإخوان، السياسي الدعوي البراغماتي العاطفي المختلط، الذي لا نتأكد من خطورته إلا في مثل هذه المواقف، التي تحدث في الأردن، وتهدد استقراره وأمنه ومستقبله، وتفتك بشبابه، وتلقي بهم في ساحات الإجرام، وتقود البلاد إلى حالات من الفوضى وفقدان الأمن.
في كل مرة، نحذر من هذا الخطاب الفوضوي، الذي يشتبك مع السياسة ولا يكترث بالدولة ولا بالوحدة الوطنية ولا النسيج الاجتماعي، ولا يحسب او يفكر باليوم التالي لحماقات اللعب بالنار..
بناء على حجم ونوع التحديات والأزمات والأحداث، فإن الظواهر الصوتية وخطاب الشارع أصبح تقليديا، لا يقدم حلولا فكرية ولا سياسية لهذه التحديات والأزمات، بل يزيدها تيها ويضيف عليها تحديات وازمات، وحوادث خطيرة مؤسفة، كالحادثة الأمنية الحالية، التي حمى الله الأردن منها، بجهود وصحوة وهدوء جهاز المخابرات العامة، ولا يمكن لأحد أن ينكر بأن تدخل المخابرات وحسن تعاملها مع هذا الحدث، اختصر شرا بل جحيما، وسيطر عليه قبل ان يتفجر، ويبلغ بنا طريق «اللاعودة».. فتخيلوا لا قدّر الله، لو أن «صاروخا» من أي نوع ومدى وتأثير، مصنوع محليا بأيدي شباب ينتمون لجماعة الإخوان، انطلق الى هدف داخلي فأصابه او حتى أخطأه، تخيلوا شكل ردة الفعل الشعبية ومصير النسيج الاجتماعي الأردني، والحالة الامنية التي سنعيشها عندئذ.. بالتأكيد سيكون توقيت بداية انهيار وفوضى وخراب، لكن الله سبحانه يحمي الأردن، ويقيّض له رجالا وطنيين مخلصين «رحيمين»، ويقوّض تخطيط الشياطين والجهلة والأغبياء.. ويبقى الأردن صامدا في وجه الريح، كاظما للغيظ، وبالأردنيين رؤوف عطوف.
الصواريخ والمسيّرات، والأسلحة والمتفجرات، الموجهة لتخريب الاوطان المستقرة، كثيرة، وتأتي بالمجان، وفوقها دعوم مالية، تقدمها جهات عدوانية كثيرة، خرّبت بلدانا عربية، وهذا أمر معروف، ونعيشه يوميا، لكن ما هو أخطر من هذه الصواريخ والمسيّرات المستوردة، والمهرّبة، للاغبياء والجبناء، هي تلك التي يتطوع شباب أردنيون، لصنعها، والتواصل مع خبراء ومزودين لمواد اولية، خارجيين، فالنيّة المسبقة والفكرة في هذه الحالة أشد خطورة، وتعبر عن قناعات مريضة، وليست مجرد عقليات ونفوس غاضبة، او تستثمر بأزمات وأحداث دولية، بل هي عقليات تسلّم نفسها للشيطان، وتتبنى نظريته في التدمير من الداخل، وتعتبر هذا التدمير فكرة تحررية وتصفية حسابات مع عدو.
لا يمكن لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن او حول العالم ان تتنصل من هذا الحدث، فهو في أصله فكرة، تمت زراعتها ألف مرة في عقول الشباب في اكثر من بلد، وتم تفجير وتدمير تلك البلدان ذاتيا، ورافعة هذه الفكرة هي الخطاب الإخواني الانتهازي و»غير المحترف»، الذي يتنكّر للهويات الوطنية، ولمسؤوليات الدولة وقوانينها وثوابتها، ويتجاوزها، ويناهضها طلبا للشعبويات، فيعطّل التفكير والتنمية ويهدم الثقة، ويؤسس لمناكفات ثم خصومات سياسية بين قوى وافراد في المجتمع، ويضعف مواقف الدولة ودورها الإقليمي، وهذه بنية تحتية كافية بالنسبة للضحايا الشباب، من جانب الإخوان ومن الجانب الآخر، ليبحثوا عن حلول يعتقدون بأنها خلاقة، بينما هي في الواقع، قنابل تقوّض أمن واستقرار الدول، وتدمرها من الداخل.
الأسلحة النارية والاوتوماتيكية، تتواجد في ايدي كثيرين، لكنها ليست بهذه الخطورة على الدولة، لأنها لا يمكن توظيفها في عداوة ضد الدولة والمجتمع، لكن مجرد النوايا بتصنيع أسلحة بأيدي أردنيين، لا يؤمنون بالدولة ولا يطمئنون لقيادتها وجيشها وقواها الأمنية، جريمة خطيرة، يجب مكافحتها في مهدها، وتجفيف كل منابعها، وتقنين ممارسات وسلوك منظريها، حتى وإن كانت هامشية وضعيفة.
لنقلها بصراحة وقبل غيرنا، في مثل هذا الوقت، نحن سنكون أفضل حالا في الأردن، دون وجود جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر استقرارا وأمنا، حين نؤمن بهويتنا الوطنية، ووحدتنا، ونكون أقوى وأكثر ثقة بأنفسنا، وحياتنا أفضل وأرقى، حين نحترم القانون ونؤمن بسيادته، ونؤمن باحترام الآخر.. وهذا وضع لا يمكن ان نحصل عليه ما دام الانفصام مقيما في شوارعنا، وفي تعاملنا مع الأحداث الداخلية والخارجية، فالدولة ليست عدوا ولا قوة احتلال، والأردنيون، كلهم مواطنون متساوون أمام القانون وفي الدستور، والقيادة الهاشمية عنصر ثابت في تاريخ ومستقبل ومكونات الدولة، والجيش والأجهزة الأمنية ركيزة وضمانة استقرار وأمن وباعث طمأنينة، وهذا ما يجب ترسيخه في مفردات أي خطاب سياسي، سواء أكان حزبيا ام شعبيا ام حكوميا رسميا..
هذه دولتنا ووطننا وواجبنا الأول هو حمايتها وحفظها والدفاع عنها، والاعتزاز بهويتها، وتقديمها على كل هوية وفكرة..
حفظ الله الأردن، شعبا وقيادة وجيشا، ومقدرات، وقاتل الله الأغبياء قبل الأعداء، وكفانا شرهم.
ــ الدستور