سامح المحاريق : في استراتيجية التعامل مع الرئيس الأميركي والتسلل الإسرائيلي

يطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب التفاوض مع الإيرانيين بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عدم وجود الرغبة في التفاوض لدى المرشد الأعلى علي خامنئي، وقبلها بفترة وجيزة يتبين أن الأميركيين بدأوا التفاوض مع حركة حماس بخصوص المحتجزين الأميركيين في غزة، وكم يبدو ذلك بعيدًا عن الصورة الذهنية للرجل الحاسم وصاحب الكلمة العليا التي يحاول الرئيس ترامب تصديرها منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
إلى حد بعيد، يبدو واضحًا أن الرئيس ترامب لا يريد حربًا جديدة، ويحاول التخلص من الحروب القائمة بصورة أو بأخرى، وفي ذهنه أن الأداء الأميركي في مهام قتالية خارج الحدود ليس مرضيًا أو مشجعًا على الاشتباك في صراعات واسعة، حيث ما زالت مشاهد الانسحاب الأميركي المهين من أفغانستان ماثلة في الأذهان، وحركة طالبان التي عادت إلى الحكم تتوسع وتتقدم وتناهز دولًا أكبر حجمًا وأكثر استقرارًا مثل باكستان وإيران، فما الذي كان يفعله الأميركيون هناك، وأين ذهبت مئات المليارات التي دفعت تكلفة للحرب الطويلة؟ أسئلة لا يبدو أن ترامب ?متلك إجابة واضحة بخصوصها، ولكنه يتحرك تحت طائلة الخوف من تكرار انتكاسة أميركية تحدث في عهده وضمن مسؤولياته، وهو الذي يبالغ في وصف الرئيس بايدن وكثير من الديمقراطيين بالضعف وعدم الكفاءة.
توجد نقطة معينة لدى الرئيس الأميركي تمثل العكس لمفهوم الكتلة الحرجة الذي يمكن أن يؤدي للانتقال من حالة إلى أخرى بصورة عنيفة أحيانًا، وهي في حالة الرئيس الأميركي لحظة يدرك خلالها أن ممارسة مزيد من الضغط أو المضي قدمًا في المقترحات المتعسفة سيؤدي إلى خيارات ربما تكون محرجة بالنسبة له، وكان الأردن على موعد مع هذه اللحظة التي يمكن وصفها بلحظة التثبيط في النسخة الأولى من صفقة القرن حين اتضح أن الأردن اتخذ موقفًا متصلبًا تجاه الصفقة، وأنه لم يعد يرسل أو يستقبل بخصوصها، ومع تأمل السلوك الشخصي للرئيس ترامب يبدو أن?بناء الاستراتيجية الأردنية يجب أن يعتمد على نفس الاستراتيجية مع تعديلات بسيطة في حال لزم الأمر.
بدايةً، استيعاب الصدمة بالقدر اللازم من الهدوء لأن الرئيس ترامب يعتمد نهجًا يقوم على التوتير والإحراج، وهذا ما أظهرته زيارة الملك إلى واشنطن، وكان أن خرج الرئيس الأميركي بتصريحات ايجابية تجاه الملك والأردنيين في اليوم التالي، بعد إفشال طريقته في إحداث حالة من الصخب الموجه للإعلام بأكثر مما هو معني بالجانب السياسي والعملي.
بعد ذلك، يأتي التأكيد على المواقف المبدئية، وهو ما سيدفع بالرئيس الأميركي من خلال عقيدته التفاوضية التي تسعى إلى أقصى مكسب ممكن، إلى العمل على تقديم مقاربة أخرى، وبالتمسك بالموقف، يبدأ في تعديل المقاربة، ومع الوقت تصبح جميع تصوراته غائمة نوعًا ما، خاصة أن الرئيس الأميركي هو شخصية يعتريها الملل بصورة سريعة.
التأكيد على وحدة الموقف وعدم وجود الطرق الالتفافية، وهو الأمر الذي لم يتمكن الرئيس الأوكراني زيلينسكي من تقديمه أمام الرئيس الأميركي، فكان يتحدث عن دعم الأوروبيين له، ولكنه كان يعرف أن شعبيته في أوكرانيا، والضغوطات التي تمارس على شعبه، ربما لن تجعلاه في موقف يمكن أن يطرحه أمام الرئيس الأميركي بصورة حقيقية.
تستهلك هذه الخطوات الوقت الضروري من أجل تفريغ المقترحات الترامبية من لمعتها الإعلامية، وتفتح بابًا للجذب والشد يفقد الرئيس لذة الصفقة الكاملة، ليتفرغ بعد ذلك لتوزيع اللوم على الآخرين، والحديث عن الفرص الضائعة من وجهة نظره.
التحركات الأميركية الأخيرة تظهر أن الرئيس ترامب مثل بقية الرؤساء السابقين يمتلكون أفكارًا مشوشة حول السياسة الخارجية، وتبقى التحركات الإسرائيلية التي تحاول تثبيت وقائع ملموسة على الأرض، وتستغل من خلالها نفس الحالة من التشويش، ومن أهمها في هذه المرحلة، السلوك تجاه المخيمات في الضفة الغربية، والتوغل في الجنوب السوري، وهو الملف الذي يجب أن يشغل الأردن في المرحلة المقبلة، وعلى الأقل من خلال الدعم للأطراف التي تتعامل مباشرةً مع الملفين في دمشق ورام الله، حتى لو تباينت بعض وجهات النظر، لأن تغيب الطرفين يمكن أن ي?دي إلى فرض واقع إسرائيلي جديد تصبح مواجهته أعلى تكلفة مع الوقت، ويدفع بالموقف التفاوضي للأردن والدول العربية الأخرى لمواجهة مشكلات مستجدة بدلًا من التعامل مع قائمة طويلة من الملفات العالقة التي تمكنت إسرائيل من تأزيمها وتفخيخها بالتفاصيل الكثيرة والمعقدة.
ربما ليست المشكلة في التخوف من ترامب على المديين المتوسط والبعيد، بقدر ما هي في مواجهة التسلل الإسرائيلي الذي يستغل نفس حالة التشويش التي يعيشها الرئيس الأميركي. ـ الراي