د. بسام الساكت : لعبة الجودو السياسية

تمر بلاد الشرق العربي، والعالم، بمرحلة يُشاهَدُ شريط عليه «عناوين خادعة». هي أكثر خِداعاً للأمم النامية، في الشرق وإفريقيا واميركا اللاتينيه، وحتى لبعض الشعوب المُضَلَّلَةِ، في الغرب. وأعني هنا عناوين مثل «الديمقراطية» «وتقليص القطاع العام ودوره"؛ «الحريات، والسلام، والحوكمة الرشيدة، وحقوق الإنسان وسيادة القانون، «والفَوضى الخلَّّاقَة «Creative Chaos Or Creative Anarchy. ذلك شريط تميّز به القرن الواحد والعشرون، بعد تفتيت الاتحاد السوفياتي وانفراد قوة واحدة في العالم: هي اميركا، تُجرْجِرُ وراءها مُلْزمَةً، ?وروبا! في حين تعي لعبة العناوين والمصيدة، دول قديمة، راسخة الدهاء أمثال كوريا والصين واليابان، وبعض دول أوروبا.
ويشهد جيلنا، منذ بداية ما أُسَمِّيهِ،"القرن الواحد»، وليس قرن «الواحد والعشرين»–قرن إدارات دول تنفرد وتتحكم، وتحتكر، مستخدمة القوة العسكرية والاقتصادية الدولية، وترفع شاخصات مُضَلِّله لونها الإصلاح والحوكمة، ومذاقها عند الآخرين مرّ، وحصادها شائك ولئيم!. أليس تفتت بلاد إخوتنا والفوضى، في ليبيا والصومال واليمن والسودان والعراق، وفلسطين وسوريا، أليس ذلك حصاد غزو مبرمج ٍ، ومنبعه ادعاءُ التعمير والدمقرطة، وإحلال قيم الغرب، ومكان القيمِ والأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة في منطقتنا، وسيطرةً على الموارد، مباشر? او بالإنابة.
إن بعضاً من حصاد مجريات «القرن الواحد»، الذي نَعبُر، من تفتت جغرافي لدول، وتمزق أنسجة المجتمعات وفوضى احيانا، وفوضى وفقدان،أليس ما نشهد يُذَكِّرنا، ويَشِي بعنوان خادع قديم «جدَّدَتُه» السيدة الفاضلة، وزيرة الخارجية الأميركية، من أصول أفريقية! كونداليزا رايس: «الفوضى الخلاّقه»–Creative Chaos or Creative Anarchy.
لقد أعلنته «السيدة» عام 2006 اثناء حرب اسرائيل على لبنان. وقالت إن آلام هذه الحرب: «هي الولادة القاسية للشرق الأوسط *الجديد*». وقد لُوحِظَ انها اختارت مسمىً، سبقها فيه شمعون بيريز عام 1996. ثم تبنَّت الادارات الأميركية والاوروبية عام 2004: «بالشرق الاوسط *المُوسَّع*"! إنني أرى في كلمة *الجديد* مفهوماً به «طغيان وسيطرة» للقوي، أما كلمة *الموسَّع*، فبِها «احتواء» للاطراف). كما ونشهد اليوم تفعيل تلك العناوين وتوسع أبعادها، من قبل إدارات جديدة؟وبشفافية هي بنظري، لا تستحق تجلب السلم الدولي ولا المجد، لحامليها، ?ي ذاكرة الاجيال الغربية والعربية، الحاضرة والقادمة.
قد يبدو ما ورد، عند «البعض» نوعاً من السرد. لكنّ المتفحص يدرك أن ما يجري على الارض، يدحض ما بدا لهؤلاء. والامتحان حاسم اليوم، بعد قمة فلسطين، في القاهرة في 4/3/2025، فهو امتحان للقيادات الفلسطينية اولا، ثم العربية. وجاءت القمة وبيانها، رسماً وتكتيكيا، كما في قواعد لعبة الجودو اليابانية: استخدام قوة الخصم المندفع نحوك، وتوظيفها ضده. هي محاولة ذكية قد يطلق عليها آخرون غير ذلك. لكنها مسرب، ومخرج مرحلي لخصوم الأمة الأقوياء، «قد يحُولُ دون تنفيذ» مقاصدهم المبرمجة، في ضوء ظرف ضعف المنطقة، منذ بداية «القرن الواحد? هذا! فإن نجح هذا التكتيك، فقد يُُدْْخِِلُ العرب، والفلسطينيين بالذات، في مدوَّنة GennesGuinness -ألْقِنِزْ ريكوردز، كنجاح بالإفلات ممّا يُخطَّطُ لهم فيلهم مصائد.، قِبَلَ! وإن كان غير ذلك فأعُدَّهُ صافرة إنذار !
إن «توحيد مرجعية» إخوتنا في القيادات الفلسطينية، أولا، ومن ورائهم الموقف العربي، هو «ضرورةٌ، كما هو فرصة». وما قرارات قمة فلسطين في القاهرة، إلا أداة ومخرج به بعض دهاء، قد تسهم للإفلات من مصايد الخصوم الأقوياء وعناوينهم المضللة: «التعمير والإصلاح من خلال التدمير». كما يبدو مخرجاً قد صُمِّمٌَ لتفادي ضغوط الخصوم، ومهرب ديبلوماسي أُعِدَّ لهم، في عالم بدأت تتضح فيه سوأة الرُّؤَى البشعة من تفرُّدِ القويْ. وتعتبر القمة كذلك بمثابة تكتيك وقائي من تهوُّر سياسات القوى الكبرى وتحيُّزِها. لقد وهن الجسم العربي متأثراً?بفعل ما لدى منطقتنا من بعض الآذان الصاغية للخارج. فالخصم يضغط باتجاه الفُرقةِ،وعدم الانسجام، وبعيدا عن وحدة المواقف الفلسطينية والعربية.
لقد تحقق للقضية الفلسطينية في السنة ونصف السنة الماضية، وبصبرهم وصمودهم، ومواصلة جُرْأةِ ودعم الأردن، مكسب جوهري، أنفق الخصم المحتل الاسرائيلي، البلايين، لعدة عقود لغرسه في العالم، ألا وهو نجاح الفلسطينيين، ومعهم الأردن، من خلال الإعلام والتثقيف، والدبلوماسية في الوصول للأجيال الجديدة الناشئة، في الشرق والغرب، وتظاهر طلاب الجامعات، كلّها، احدثت تغيّرا جذريا في المعركة و"انقلابا للصورة النمطية، وهوية «المحتل»، في ذهن الاجيال والشعوب الأخرى، وحتى لدى المؤسسات الجمعية الدولية: من كون إسرائيل «الضحية»، الى أنه? «المُعتَدِي الغاشم».
إن ما يُدرِكُه المُتَمَعِّن في الأمور، انه لتحقيق أهدافنا «جميعاً»، وتلك «لأي «دولة»، في كل عصر، هو حيازة القوة، والتلويح بها، «إن تمتلكها».
ونحن كعرب نملك أسلحة دفاعية فاعلة، إقتصادية ودبلوماسية وغيرها!؛ وكذلك نمتلك تطويع السياسة لخدمتنا - إن توفر حسن إدارتها. لكنني لست مع مرور الزمن دون تحرُّك ! فذلك يُعَدُّ تمكين للخصوم من خلال دوام الانقسام و«التشبُّث بالمواقف» و«سوء إدارة للمراحل»!