الأخبار

د. ميسون تليلان السليم : القمة العربية في القاهرة.. منعطف تاريخي

د. ميسون تليلان السليم : القمة العربية في القاهرة.. منعطف تاريخي
أخبارنا :  

في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة، اجتمع القادة العرب في القاهرة تحت سقف واحد، مدركين أن زمن التردد قد ولى. لم تعد القمة مجرد حدث دوري، بل كانت محطة فاصلة في تاريخ الأمة العربية، تتطلب قراراتٍ جريئة تتماشى مع حجم التحديات التي تعصف بالمنطقة. وعلى رأس هذه التحديات، تبرز القضية الفلسطينية التي لم تعد مجرد ملف دبلوماسي معلق، بل باتت اختبارًا حقيقيًا للإرادة العربية، وتحديًا يستهدف وجودنا وهويتنا.

في قلب القمة، برز موقف الملك عبدالله الثاني الذي أكد، كما فعل دومًا، أن الأردن ليس مجرد مراقب في معادلة الصراع، بل هو في قلب الدفاع عن القدس والمقدسات وحقوق الفلسطينيين. الأردن بقيادة هاشمية ثابتة كان ولا يزال الصوت الصادق في وجه محاولات فرض الحلول غير العادلة. منذ اللحظة الأولى التي تم فيها طرح مشاريع التهجير أو أي حلول تُمَس حقوق الفلسطينيين، وقف الموقف الأردني ثابتًا: لا توطين، لا تهجير، ولا تنازل عن حقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

المهم اليوم القدرة على تحويل المواقف إلى أفعال مؤثرة، تحقق نتائج ملموسة. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا هل ستتمكن هذه القمة من أن تكون نقطة تحول حقيقية في العمل العربي المشترك؟ أم أنها ستظل مجرد حدث يتم فيه تداول الكلمات دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ؟ القمة العربية الحالية تشكل فرصة تاريخية لإعادة بناء العمل العربي المشترك بحيث يكون أكثر قوة وفاعلية في مواجهة المشاريع التي تهدد الحقوق الفلسطينية والعربية.

لقد ثبت، كما في مواجهة «صفقة القرن»، أن الأردن قادر على الوقوف بصلابة في مواجهة الضغوط الدولية. اليوم، يتكرر المشهد، ولكن في ظل ظروف جيوسياسية أكثر تعقيدًا، حيث المنطقة بأكملها تعيش حالة من الانقسام، والتهديدات الخارجية تستهدف استقرارها. وعلى الرغم من التغيرات التي قد تطرأ على الإدارات في واشنطن أو في بعض العواصم الغربية، فإن المشاريع التي تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض، لا تزال مستمرة. ما يختلف اليوم هو هشاشة الصف العربي والجغرافيا السياسية التي أصبحت أكثر تعقيدًا. لذلك، علينا أن نعي أن التحديات تتطلب أ?ثر من مجرد مواقف، بل حلول عملية وملموسة.

في هذا السياق، تبرز أهمية تبني آليات جديدة تضمن تنفيذ القرارات المتخذة، بدلاً من أن تبقى مجرد كلمات تلاشى مع مرور الوقت. ومن بين هذه الآليات، يمكن أن يكون «صندوق دعم صمود فلسطين» خطوة مهمة، ليتم تمويله من قبل الدول العربية بهدف دعم القطاعات الحيوية في الأراضي الفلسطينية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إنشاء مشاريع استثمارية تساعد على تعزيز صمود الفلسطينيين في وطنهم، وتوفير فرص العمل، مما يقلل من فرص التهجير القسري.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب تفعيل دبلوماسية عربية موحدة من خلال لجنة دائمة تكون مهمتها تحريك الجهود العربية دوليًا لمنع أي محاولات لفرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين. هذا ليس فقط عن حماية الحقوق، بل عن ضمان أن لا يتخذ المجتمع الدولي قرارات تُفرض على العرب من دون أن يكون لهم رأي حقيقي فيها.

يجب أن يكون تعزيز الأمن العربي المشترك جزءًا من هذه الاستراتيجية. من خلال إطلاق مبادرة عربية لمكافحة التهديدات الإقليمية، سواء كانت إرهابًا أو تدخلات خارجية أو محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي بالقوة. يجب أن تكون هذه المبادرة متعددة الأبعاد، بحيث تشمل العمل العسكري والدبلوماسي والاقتصادي معًا لتحقيق الاستقرار المنشود.

أما بالنسبة لجامعة الدول العربية، فإنها بحاجة إلى إصلاحات حقيقية من خلال آلية رقابة ومتابعة، تضمن تنفيذ القرارات، وتحولها من مجرد توصيات غير مُلزمة إلى خطوات عملية تترجم إلى أفعال على أرض الواقع. إن العالم العربي بحاجة إلى نظام من التعاون العربي المستدام الذي يتسم بالكفاءة والفعالية، بعيدًا عن البيروقراطية التي قد تعطل جهود التنفيذ.

من جهة أخرى، يجب أن يعزز العرب موقفهم الموحد تجاه القوى الكبرى. لقد أثبتت التغيرات الجيوسياسية خلال العقدين الأخيرين أن العالم العربي بحاجة ماسة ليكون لاعبًا فاعلًا على الساحة الدولية، ولتعزيز ذلك، يمكن تعزيز الشراكات الاقتصادية والدبلوماسية مع القوى الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، مما يساهم في ضمان التوازن في العلاقات الدولية.

المسؤولية اليوم تقع على عاتق الجميع. لا يمكن لأي دولة أن تتحمل العبء وحدها. يجب أن يكون العمل العربي المشترك هو الأساس، وأن تكون هذه القمة نقطة انطلاق لبناء مرحلة جديدة من التعاون والتضامن العربي الذي يتسم بالجدية والفاعلية. الخيار بيد العالم العربي اليوم أمام هذا المنعطف الخطير، فإما أن تكون هذه القمة بداية حقيقية لعالم عربي أقوى وأكثر تضامنًا، أو أن تظل مجرد محطة أخرى في سلسلة من الاجتماعات التي لا تغير شيئًا. الوقت يداهمنا، ولذا علينا أن نكون مستعدين للانتقال إلى الأفعال الحقيقية، لأن التاريخ لا ينتظر. ــ الراي

مواضيع قد تهمك