د. ماجد الخواجا : إقطاعيو عصر المعلومات

في جميع المراحل التي مرّت بها البشرية، كان دائماً هناك من يسيطرون على مجمل الانتاج والدخل مع المزاوجة مع القوة والسلطة، لتتواصل الهيبة والنفوذ والهيمنة بأشكالٍ مختلفة تبعاً لتطور الاقتصاد والسياقات المجتمعية.
عندما كان سائداً ما يدعى عصر الإقطاع أو النبلاء أو البرجوازية أو الأرستقراطية، فهو كان حالة بسيطة لا تكاد تذكر وسط التوحّش النخبوي الذي تعيشه البشرية منذ بداية عهد الفوضى والنيوليبرالية المتوحشة التي تسعى للاستحواذ على كوكب الأرض وتبني فكرة أو مشروع « المليار الذهبي» بمعنى الاكتفاء بوجود مليار إنسان على الكرة الأرضية، وأن السبع مليارات تعتبر فائضا عن الحاجة، لا بل تشكّل عبئا اقتصاديا وحضاريا واجتماعيا، ويمكن في التخلص منهم والاستغناء عن وجودهم أن تصبح الحياة على الأرض أكثر هدوءاً وجمالاً وإنتاجيةً. خاصةً مع التطورات التكنولوجية التي اقتحمت سائر شؤرون المجتمعات وعملت على تحديث كافة الأعمال وتسريعها وتوسعتها وتجويدها بما يكفل حسن أدائها وفاعليتها.
الآن وصلنا إلى مرحلة الاحتكار للمعلومات، من يمتلك المعلومة، فهو يمتلك أسباب القوة كاملة، وحيث التزاوج بين المال والسلطة والتكنولوجيا، فقد دخل العالم مرحلة الاستقطاب والهيمنة المغلفة بالحتمية التكنولوجية، تلك الحتمية التي تطغى على المشهد الإنساني الذي يكاد يتلاشى مع شيوع الذكاءالاصطناعي وأدواته.
حين يخرج إيلون ماسك معلناً نيّته شراء منصات إعلامية عالمية بأرقام غير معهودة تصل إلى عشرات ومئات المليارات من الدولارات، في سبيل احتكار تلك المنصات والاستحواذ على الفضاء الإعلامي السيبراني، مما يعني بروز إقطاعية الإعلام العالمي.
إن العالم الآن محكوم لأباطرة المال والتكنولوجيا، ولنتذكر سوياً عندما حاربت المنصات العالمية وحظرت الرئيس الأمريكي الحالي ومنعته من الوصول إلى التعبير عن آرائه من خلال حجب صلاحية النشر. كان هذا قبل أعوام أربع، فما الذي تغيّر حتى نشاهد جميعهم ممتثلين يصفقون في حفل تنصيبه الرئاسي. لا بل أصبح ماسك أحد أهم أركان الحكومة الفدرالية الأمريكية، إضافة إلى أن مارك زوكربيرج قام بنقل إدارة منصته إلى ولاية مؤيدة للرئيس الأمريكي، ناهيك عن حجم التحولات والتحديثات التي طرأت على محتوى هذه المنصات بما ينسجم ورغبات وأهواء سيد البيت الأبيض. إنها ديكتاتورية التكنولوجيا التي هي أفظع وأشد قسوةً من أية ديكتاتورية معروفة تاريخياً.
العالم أصبح محكوماً لكليك ودبل كليك مع خوارزميات تسوق القطعان السيبرانية إلى مرابعها ومراعيها التقنية، قطعان لا تملك من زمام أمورها غير التبعية لهذا التريند وذاك الهاشتاج، لحوارات عبثية تفيض سطحيةً أو كراهية أو سفاهةً، للايفات مليئة بكل الرداءة الأخلاقية، هذه هي الآن مجمل المحتوى الذي يتداوله المتابعون، بما يصل إلى تريليونات من المشاهدات لفيديوهات قصيرة لا تحمل أية قيمة ولا تعبّر عن أي مضمون يمكن له التأثير لأكثر من لحظة مشاهدته.
نعيش عصر الإقطاع التكنولوجي بأبشع صوره وأفظع مراميه. ــ الدستور