الأخبار

د. رعد محمود التل : الشراكة الاقتصادية بين الأردن وأميركا: من المساعدات إلى الاستثمار

د. رعد محمود التل : الشراكة الاقتصادية بين الأردن وأميركا: من المساعدات إلى الاستثمار
أخبارنا :  

تشكل العلاقات الاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة ركيزة مهمة في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية محلياً، حيث تستند إلى شراكة استراتيجية عززتها اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمارات المتبادلة (وليس فقط المساعدات الأميركية).

ورغم التحديات السياسية والضغوط الاقتصادية، يسعى الأردن إلى ترسيخ موقعه كمركز إقليمي للأعمال والاستثمارات، مستفيدًا من موقعه الجغرافي وبنيته التحتية المتطورة.

في المقابل، تدرك الشركات الأميركية أهمية السوق الأردني وموقعه الجغرافي كمدخل للأسواق الإقليمية، مما يعزز فرص التعاون في مختلف القطاعات، خاصة التكنولوجيا والصناعة والخدمات اللوجستية. ومع استمرار الأردن في تنفيذ إصلاحاته الاقتصادية، تبقى الشراكة مع الولايات المتحدة عاملًا مهمًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب المزيد من الاستثمارات، بعيدًا عن تأثير التقلبات السياسية قصيرة المدى. فبرغم الضغوط السياسية، فإن هذه اللقاءات تبعث برسالة واضحة عن استمرارية الجهود الأردنية في تعزيز النمو الاقتصادي.

مؤخراً، شهدت مدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس الأميركية لقاءً اقتصاديًا مهمًا جمع الملك عبدالله الثاني بعدد من رؤساء الشركات والمؤسسات التعليمية الأميركية، حيث تركزت المناقشات على سبل توسيع الشراكات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات في الأردن. يبذل الاردن جهوداً متعددة لتحسين معدلات النمو الاقتصادي وتطوير بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، من خلال رؤية التحديث الاقتصادي والتحديث الإداري، بهدف تعزيز دور الأردن كمركز إقليمي للخدمات والريادة. يدعم ذلك مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط الأردن بالأسواق الأميركي? والأوروبية، والبنية التحتية الداعمة للتكنولوجيا والابتكار، والقوى البشرية المؤهلة هي عوامل تعزز من بيئة الاستثمارات وتأسيس الشركات الناشئة.

ولاية ماساتشوستس تعد مركزا للشراكات العالمية الاقتصادية وتحظى بمكانة عالمية مهمة في مجالات العلوم والصناعة والرعاية الصحية والابتكار والتكنولوجيا والتعليم. وقد ضم الاجتماع ممثلين عن قطاعات الرعاية الصحية والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الحيوية، والتعليم العالي، والتكنولوجيا والتصنيع والهندسة، والخدمات المالية والطاقة.

أهمية هذا اللقاء، بانه أتى في وقت حساس تواجه فيه المملكة ضغوطًا سياسية أميركية، أبرزها قرار تجميد المساعدات المقدمة للأردن لمدة 90 يومًا. ورغم هذه التحديات، تبرز هذه الاجتماعات كفرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

"الفرص الاستثمارية» الجديدة لزيارة جلالة الملك بدت واضحة برغم الضغوط السياسية، فالاقتصاد الأردني يتميز بموقعه الاستراتيجي في الشرق الأوسط واستقراره الأمني، مما يجعله وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. وفي اللقاء الاقتصادي في بوسطن، ركز الملك على تقديم الأردن كمركز إقليمي للابتكار وريادة الأعمال، مستفيدًا من اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والأسواق الأوروبية. خاصة فيما يتعلق بالتعاون في قطاعات التكنولوجيا والتعليم والصحة، والذي حضره ممثلو قطاعات التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية والتعليم العالي، ?يث أبدت مؤسسات مثل جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اهتمامها بتوسيع التعاون مع الجامعات الأردنية. كما تمت مناقشة فرص تطوير برامج تبادل طلابي وأبحاث علمية مشتركة في مجالات متقدمة مثل الهندسة الطبية الحيوية والطاقة المتجددة. هذه المبادرات من شأنها أن تسهم في نقل المعرفة وتعزيز القدرات المحلية، مما يعزز فرص الأردن في استقطاب المزيد من الشركات العالمية.

التحديات الناتجة عن تجميد المساعدات الأميركية لاشك بأنها ليست سهلة، فقرار تجميد المساعدات الأميركية للأردن لمدة 90 يومًا يعد تحديًا اقتصاديًا مؤثرًا، إذ تعتمد المملكة على هذه المساعدات لدعم ميزانيتها ومشاريعها التنموية. ومع ذلك، فإن اللقاءات في بوسطن تمثل محاولة أردنية للحد من تأثير هذا القرار عبر تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوسيع العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة. وبالنظر إلى أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وولاية ماساتشوستس بلغ أكثر من 22 مليون دولار عام 2023، حيث بلغت قيمة صادرات البضائع ?ن الأردن للولاية نحو 15.3 مليون دولار، بينما بلغت قيمة مستوردات المملكة منها نحو 7.3 مليون دولار، فإن فتح مجالات تعاون جديدة قد يساعد في تخفيف الآثار السلبية للضغوط السياسية.

من المهم خلال هذه المرحلة اقتصادياً، تقديم الأردن كمركز إقليمي للخدمات اللوجستية والصناعية، والتأكيد على إمكانياته كمركز إقليمي للتخزين والخدمات اللوجستية، مستفيدًا من موقعه الجغرافي واتفاقياته التجارية. فهذه الاستثمارات يمكن أن تعزز الاقتصاد المحلي وتخلق فرص عمل جديدة، ما يسهم في تخفيف آثار الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها المملكة.

لقد شكلت الزيارة الملكية آفاقاً مستقبلية مهمة للتعاون الاقتصادي، وعلى الرغم من التحديات السياسية والضغوط الاقتصادية، فإن نتائج هذه الاجتماعات تبشر بآفاق تعاون جديدة بين الأردن والولايات المتحدة، خاصة في القطاعات الحيوية. إن نجاح الأردن في استقطاب الاستثمارات الأميركية وتعزيز شراكاته التجارية يعكس قدرته على التكيف مع التغيرات السياسية واستمرار مسيرته التنموية. وتبقى هذه الجهود خطوة مهمة نحو تحقيق استقرار اقتصادي مستدام، بعيدًا عن تأثيرات القرارات السياسية قصيرة المدى. ــ الراي

رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية

مواضيع قد تهمك