ماجد توبه يكتب: بين سوريِّ الضفة الواقي والحديدي.. لا مناص من ملحمة فلسطينية جديدة
ماجد توبه
بين عملية "السور الواقي" في الضفة الغربية المحتلة العام 2002، وعملية "السور الحديدي" التي اطلقها العدو الصهيوني على جنين والضفة الغربية المحتلة اليوم، جرت مياه كثيرة.. ولم يتوقف العدوان والاستيطان والقضم وتسمين المعتقلات الصهيونية بالاسرى والاسيرات وكل انواع جرائم الحرب، لكن الكيان الاسرائيلي الطاريء في هذه البقعة من العالم والتاريخ، لم يستطع وأد روح المقاومة والصمود والثبات الفلسطيني، بل وبقي يذوق الكثير من ويلات احتلاله لشعب لن يتنازل عن الحرية والاستقلال.
في عدوان "السور الواقي" العام 2002 اجتاحت قوات اسرائيلية ضخمة الضفة الغربية ودمر الاحتلال فيها البنية التحتية للضفة وهدم الحجر والشجر، واستشهد فيها الرئيس ياسر عرفات بعد محاصرة طويلة للمقاطعة وبعد ان اطلق الشهيد يومها راية المقاومة المسلحة ضد العدو بعد ان اكتشف مازق اوسلو، وارتقى فيها ايضا الاف الشهداء والمصابين بمن فيهم قوات الامن الفلسطينية التي دخلت يومها في الاشتباك مع العدو المدجج بكل انواع الاسلحة والدعم الامريكي والغربي والتواطؤ العربي والعالمي.
اليوم، يطلق العدو الصهيوني حملته "السور الحديدي" بالضفة بعد ان خرج مثخنا بالهزيمة والانكسار والفشل في غزة وباقي ساحات المقاومة العربية رغم كل ما خلفه من دمار وماسي لم تستطع ان تدفع الشعب الفلسطيني الى رفع ارية الاستسلام. ليس شعرا ان نقول ان الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية كالفينيق يعود لينطلق دائما من بين الرماد ليحلق بسماء فلسطين راسما افق الحرية واملها امام الشعب الفلسطيني. ويعرف العدو انه يقاتل في جنين اليوم ابناء واحفاد من قاوموا واستشهدوا في عدوان "السور الواقي" وما اسقطوا الراية.
كل عملية السور الواقي 2002 وما تبعها من عدوانات وحروب على غزة والضفة لم تمنع من اشتداد المقاومة الفلسطينية، المسلحة والسلمية والصمود والثبات، وخاض العدو عدة معارك اجرامية على غزة واطلق جنوده ورعاعه المستوطنين يعيثون فسادا بالضفة ويعززون ترسيخ الانقسام بين غزة والضفة، وبقوا بتواطؤ دولي يجرون السلطة بالقوة والابتزاز والافساد لمستنقع الاوهام وظلال سلام لن يأتي الا بالمقاومة.. المقاومة بكل انواعها.
ستشتد الحملة العدوانية العسكرية ووتتسع في الضفة الغربية، فالعدو اليوم كالضبع الجريح المثخن بجروح المقاومة والباحث عن استرداد كرامة ديست تحت اقدام المقاومين والصامدين، وهي اليوم تعتبر منجاة شخصية لنتنياهو، او هكذا يعتقد، برضوخه ليمينه المتطرف للمحافظة على ائتلافه وتجنب محاكمته ومحاسبته القادمة مهما تاخرت، وهي فرصة يعتقد جيش الاحتلال واجهزته انها ستكون شبه نزهة مقارنة بغزة ومع حزب الله لاستعادة مبدا الردع الذي انهار في 7 اكتوبر دون رجعة!
وثمة من يُنظّر لدى العدو انها الفرصة الافضل لضرب كل امل متبقي وحلم بحل دولتين او وجود كيان فلسطيني، ففائض القوه الاسرائيلية والابادة والتحلل من كل القيم والقوانين باعتقادهم كافية لردع الفلسطينيين في الضفة وترسيخ التقسيم لكانتونات طاردة والدفع بهم للتهجير واعلان ضم المستوطنات ومناطق ج للكيان، خاصة مع توقع الدعم المطلق من مجرم البيت الابيض الجديد ترامب.
لكن لا يغرنكم كل هذه القوة والسلاح والاجرام الاسرائيلي، فهم اليوم مجتمعا ودولة باضعف حالاتهما، يعاني انقساما عميقا وتهاوت العديد من اساطيرهم امام ضربات المقاومة العربية، والتفسخ المجتمعي قادم لا محالة في ظل تقدم وسيطرة اليمين المتطرف والمنغلق والمتخلف على مفاصل الكيان.
ما المطلوب فلسطينيا لمواجهة هذا العدوان الجديد الواسع والحاسم؟! لا يستطيع احد المزاودة على الشعب الفلسطيني ونضاله الشرس وصموده ومقاومته بكل الطرق، وليست المسلحة فقط. وللعلم فقط فان الضفة الغربية دفعت في اسنادها لقطاع غزة في العدوان الطويل الاخير ما لا يقلّ عن 844 شهيدا والاف الجرحى ونحو 5 الاف اسير واسيرة جددا، فيما قتل فيها 28 إسرائيليا. هدمت بيوت ومناطق وضرب الاقتصاد واتسع الفقر وحدته جراء حصار خانق على السلطة وعلى المواطنين انفسهم وتضخمت البطالة وصودرت المزيد من الاراضي وغير ذلك الكثير.
مواجهة الفصل الجديد من العدوان الاسرائيلي الشرس على الضفة الغربية هذه المرة يحتاج اولا لقيادة فلسطينية تخرج من قوقعة الضعف والرهان على سراب السلام والتسويات، قيادة تجمع الكل الفلسطيني وتوحده على برنامج وطني جامع لمقاومة الاحتلال، لا نقول بالعمل العسكري لوحده او فتح جبهة مثل جبهة غزة في ظل موازين القوى الذي ندركه، بل مقاومة شاملة متكاملة ذات رؤية حدية بان من نتعامل معه عدو لا يمكن الرهان على جزء من مجتمعه من يسار او انسانيين، فاليمين المتطرف اغرق هذا المجتمع المسخ بالقاع.
يجب ان يكون للمقاومة المسلحة نصيب بقدر ما يحتاج الامر، وللمقاومة السلمية من مظاهرات والاضرابات مسيرات واشتباكات بالحجارة وبحشد الجماهير باعداد كبيرة خاصة قرب "المحاسيم" او اماكن الاغلاق العسكرية. ويجب تنظيف البيت الفلسطيني قدر الامكان وتقديم المناضلين والمقاومين والوطنيين الى الواجهة، والعودة الحقيقية لاطار منظمة التحرير الفلسطينية وتطويرها لا السلطةلتكون واجهة الشعب الفلسطيني في القيادة والحديث مع العالم. على القيادة الفلسطينية استعادة ثقة الشعب الفلسطيني واعادة توحيد الصف الفلسطيني على قلب رجل واحد والابتعاد عن عقلية الانفراد والتسلط التي تضرب قدرات الشعب الفلسطيني.
غير مستبعد ان تستهدف اسرائيل بحملتها راس السلطة الفلسطينية، بحثا عن تغيير يكون على هواها اكثر، فعلى رئاسة السلطة ان تلتقط هذه اللحظة وتبادر هي لتقديم من هو اقدر منها على تمثيل شعب الجبارين.
ثمة مروحة واسعة اخرى دبلوماسيا وسياسيا يمكن الحديث عنها وتستطيع منظمة التحرير والسلطة اللجوء اليها لتعزيز مواجهتها للعدوان الاسرائيلي، خاصة بالتنسيق مع البعد العربي، تحديدا الاردني والسعودي والخليجي والمصري، وايضا على المستوى الدولي والاممي، وعلى جبهة الراي العام الدولي. كل ذلك مطلوب، لكنه لا يغني عن الاساس، وهو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتفعيل الطاقات الكامنة التي لا تنضب في الشعب الفلسطيني. ــ الموجز الاخباري