اسماعيل الشريف يكتب : نتن ياهو بين نارين
هناك أشخاص في السلطة في «إسرائيل» يعتقدون أنهم حصلوا على ترخيص من الله لحرق غزة، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل ثلاث مرات، وأربع مرات إذا لزم الأمر– د. عزام التميمي، ناشط وأكاديمي فلسطيني بريطاني.
الصهاينة يرون أن ترامب قد خانهم عندما ضغط عليهم لإيقاف المجزرة وأجبرهم على التوقيع على الهدنة، مما حال دون تنفيذ مشاريعهم التوسعية واحتلال أراضٍ جديدة. ولكن كيف خانهم و79% من يهود الولايات المتحدة قد منحوا أصواتهم لهاريس .
يبدو أن رهان نتن ياهو على ترامب على حساب بايدن، شريكه في الإبادة، كان رهانًا خاطئًا. فبايدن، وخلال عام كامل، لم يوقف الحرب، بل ربما كان شريكًا في إفشال الاتفاق عدة مرات، إحداها على يد وزير خارجيته بلينكن في أيار الماضي.
قبيل توقيع الهدنة، حاول نتن ياهو عرقلتها موجهًا الاتهام إلى حماس بأنها الجهة التي تعطل الاتفاق. ولكن ترامب أمره بوقف المجزرة، فقام بعرض الاتفاق على حكومته. استمر الاجتماع سبع ساعات، حصل خلالها الاتفاق على موافقة 24 وزيرًا، بينما رفضه ثمانية، من بينهم سموتريتش وبن غفير. وقد تباهى بن غفير بدوره في تعطيل الصفقات خلال الأشهر الماضية قبل ان يقدم استقالته، مما أحرج نتن ياهو.
بدأت الهدنة ودخلت مرحلتها الأولى، حيث أفرجت حماس عن ثلاث أسيرات مقابل إطلاق سراح 95 معتقلًا فلسطينيًا. في الوقت الذي تتصاعد فيه الشائعات حول نية نتن ياهو خرق الهدنة والعودة إلى الحرب. ويرى البعض أن هذه الهدنة لم تكن سوى خطوة لامتصاص الغضب الشعبي ومنح ترامب الانتصار الذي يسعى إليه.
ولعل مظاهر الاحتفال التي تعم غزة، وظهور حماس وكأن الحرب لم تقع، إلى جانب الانتقادات الحادة التي تُوجه إلى نتن ياهو، بالإضافة إلى تصريحاته التي أكد فيها أن ترامب وبايدن منحاه الضوء الأخضر لاستمرار القتال في حال خرق حماس الاتفاق، تشير جميعها إلى احتمال عودة المجزرة من جديد. وأقلقني تصريح ترامب نفسه بأن استمرار وقف إطلاق النار لن يكون سهلاً.
المرحلة الأولى من الاتفاق تُعد الجزء الأسهل، إلا أن التحدي الحقيقي سيظهر مع بداية المرحلة الثانية بعد 42 يومًا. هذه المرحلة تتطلب انسحابًا صهيونيًا كاملًا من القطاع ووقف جميع الأعمال العدائية، وهو ما سيضع نتن ياهو أمام الاختبار الحقيقي: استمرار الإبادة أو وقفها.
أعجبني وصف رئيس تحرير الغارديان، سيمون تيسدال، حين شبه الاتفاق بأنه «جليد رقيق فوق مياه عميقة». كما أثار تساؤلات مهمة حول طبيعة الصفقة التي أبرمها ترامب مع نتنياهو. فمن المؤكد أن الصفقة تضمنت تقديم أسلحة، لكن هل شملت أيضًا خطوات مثل ضم الضفة الغربية، فرض السيطرة الأمنية على غزة، وتهجير ناعم لجزء من سكانها؟
نتن ياهو بين نارين: نار ترامب الذي سيضغط عليه لضمان استمرار الهدنة، والذي قد يعاقبه بشدة إذا لم ينفذ أوامره، ونار تفكك حكومته اذا استمر وقف اطلاق النار، خاصة إذا استقال سموتريتش .
لذلك، من المرجح أن يحاول نتن ياهو جاهدًا المناورة ووضع العصي في الدولاب كما فعل طوال العام الماضي، من خلال فرض شروط تعجيزية جديدة. وقد تكون حجته هذه المرة أنه لن يوقف الحرب إلا بوجود إدارة دولية وعربية مشتركة لقطاع غزة، تضمن إقصاء حماس عن المشهد.
نتن ياهو الآن يوازن بين غضب ترامب من جهة، واحتمال تخلي حلفائه في الحكومة عنه من جهة أخرى. ويُرجَّح أن يتوصل إلى قرار بالتخلي عن حلفائه، نظرًا لضعفهم السياسي وعجزهم عن اتخاذ خطوة جريئة لحل الحكومة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن ذلك قد يعني نهايتهم السياسية.
في المقابل، قد يجد نتن ياهو في دعم المعارضة طوق نجاة مؤقتًا، لكنه سيكون عرضة لأن يصبح أداة في يدها، كما كان سابقًا تحت رحمة المتطرفين.
ومع ذلك، يبقى هذا الخيار أفضل بالنسبة له من مواجهة غضب ترامب، الذي قد يفرض عليه حصارًا يتمثل في منع السلاح وفرض عقوبات شديدة.
أما حماس، فهي تراقب المشهد بحذر، وأعتقد أنها أقل قلقًا مما أشعر به. فهي تدرك أن سقوط نتن ياهو بات وشيكًا، وأن المادة التي أُضيفت للاتفاق وتسمح باستئناف القتال لم تكن موجهة لها بالأساس، بل جاءت لتهدئة جنون أعضاء حكومته المتطرفين وكبح جماحهم.
نتن ياهو شخص تحركه مصالحه الخاصة الضيقة فقط، دون اعتبار لأي معايير أخلاقية أو إنسانية. لذلك، لن يهدأ لي بال إلا عندما أراه مكبلاً بالأغلال، واقفًا أمام قاضي محكمة لاهاي، يواجه العدالة عن الجرائم التي ارتكبها.
ستتعرض حماس لمختلف أشكال الاستفزاز، لمنح نتن ياهو ذريعة استئناف القتال. ما أتمناه هو أن تحذو حماس حذو إيران في تبني مفهوم الصبر الاستراتيجي. فقد أصبحت الآن في معركة جديدة عنوانها الصبر حتى يسقط نتن ياهو، وهي معركة لن تكون سهلة. ــ الدستور