الأخبار

عبد الهادي راجي المجالي : معنى الحضارة

عبد الهادي راجي المجالي : معنى الحضارة
أخبارنا :  

... ماهي الحضارة؟ علمونا في المدارس أن الحضارة هي: ما يميز أمة معينة من تقدم في العلم، طرق البناء، الفن، القيم، العادات والتقاليد...علمونا أيضا أن الحضارة تعني ارتقاء العقل البشري، في حقول مثل الطب والهندسة وما إلى ذلك.

غزة نسفت معنى الحضارة نهائيا، وأنا أقترح أن يعاد التعريف من جديد...ماظهر في الصور أمس، هو مبان مهدمة، وردم..جثث محترقة متحللة، مجاميع من البشر تمشي باتجاه بيوت فقدتها، شوارع من دون إضاءة أو إسفلت...خيام يلعب بها الريح، لكن كل ذلك لايعني شيئا أمام الكرامة...أمس تجلى مفهوم الكرامة والعزة، لدرجة أيقنت من خلالها أن الحضارة لاترتبط بالمفاهيم المادية المحسوسة بل ترتبط بالمفهوم المعنوي وهو الكرامة.

هدمت البيوت..لكنهم في النهاية أجبروا أعتى قوة في العالم أن تجلس معهم وتتفاوض وهم مجرد فصيل مسلح، وحجم غزة لايتعدى حجم مزرعة عنب في كاليفورنيا...مع كل ذلك، اعترف العالم بهم، وامن بقضيتهم..وقاتلوا بشجاعة وصبر ولم يرفعوا راية بيضاء، لم يبثوا خطابا استسلاميا..هذه هي الحضارة.

سلموا الأسرى لديهم، بحضور شعبي...بحيث تمكن أهل غزة من مشاهدة عملية التسليم، وسلموهم وهم بكامل أسلحتهم وبهندام عسكري محترم، وبسياراتهم العسكرية..وعلموا العالم كله معنى الإلتزام بالإتفاق، والأهم من كل ذلك...أنهم هم من فرضوا شروطهم وحددوا مكان التسليم، في النقطة التي تعرضت لأكثر كم من القنابل...هذه هي الحضارة.

ظل خطابهم واحدا لم يتغير، لم يخففوا من الايات القرانية في حديث ناطقهم الإعلامي، لم يخففوا من الأحاديث النبوية، لم يغيروا من الإيمان بحريتهم..لم يعترفوا بعدوهم، بل علموه معنى الصبر والإيمان...لم ينقلبوا ولو على مبدأ واحد من مبادئ حركتهم...وأتموا الصفقة، هذه هي الحضارة.

خرجت الأسيرات بابتسامة وبصحة جيدة، رؤية أجسادهن تثبت أنهن تناولن الطعام بشهية مفتوحة، وواحدة منهن صبغت شعرها، وأخرى كانت ترتدي لباسا جميلا وعليه علم فلسطين...مرت عملية التبادل وبالرغم من كل الحشود بالرغم من أن عدوهم لم يترك طفلا إلا وقتله، لم يترك شيخا إلا واغتاله، لم يترك حجرا أو شجرا إلا واقتلعه من مكانه، مع كل ذلك جعلوا العالم يعرف معنى احترام النساء..جعلوا العالم يعرف معنى تكريم النساء، كل الذين كانوا في الحشود استشهد من عائلاتهم الكثير لكنهم لم ينتقموا ولم تمس واحدة من الأسيرات بسوء..في حين أن خصمهم كان يتفنن بتعذيب الأسير الفلسطيني..هذه هي الحضارة..

هتفوا لقادتهم، وخرجوا للشارع برؤوس مرفوعه، ومن كان يقول ان تنظيمات غزة فقدت الحاضنة الشعبية، أظن أنه فقد التفكير السليم..لأنهم هتفوا من قلوبهم للشهداء وللقادة، هتفوا بأعلى صوت دون أن يجبرهم أحد على ذلك...هذه هي الحضارة.

منذ (40) عاما وهم يصفون الإسلام بالتخلف والرجعية، منذ (40) عاما وهم ينعتون غزة بالراديكالية والتخلف..ويتمنون أن يبلع البحر أهلها...لكن ابتعلتهم أحلامهم المريضة، وابتلعتهم الهزيمة..

قرأنا في التاريخ أن العالم أنتج الحضارة اليونانية، قرأنا في التاريخ أيضا أن الفراعنة كانوا حضارة متقدمة، قرأنا عن روما وحضارتها..قرأنا عن الحضارة والثقافة الفرنسية..والتاريخ الان سيكتب شاء أم أبى عن حضارة ولدت في الجنوب الشرقي من فلسطين إسمها حضارة (الشطة والرمل)..وهذه الحضارة هزمت إسرائيل وهزمت بايدن وهزمت منظمات حقوق الإنسان الكاذبة، وجعلت أوروبا تعيش في حالة ندم...سيكتب التاريخ أيضا، عن الحضارة التي أنتجت بندقية الغول..وعبوة (الشواظ)..وسيقول ان قذيفة الياسين تفوقت في التأثير على (الكاميكازي)...سيكتب التاريخ عن حضارة الخيام والمبدأ..عن حضارة الوجوه المقنعة..عن حضارة علمت العالم معنى الكرامة..سيكتب التاريخ عن أمة غزة وحضارة غزة.

شكرا لكم فأنتم سادة وأهل الحضارة الجديدة.ــ الراي

Abdelhadi18@yahoo.com

مواضيع قد تهمك