أ. د. كميل موسى فرام : استخلاص رسائل وطنية متكاملة من فقرات متناثرة
يمر العالم بامتحان صعب لتدقيق النوايا بهدف رسم طريق المستقبل الذي يعتبر حكرا على القوة والنفوذ بعد أن اختلطت المعطيات وتبدلت أبجدياتها ضمن مسافات المصالح بدون مراعاة لأبسط أسس الانسانية أحياناً؛ بعد الابحار عن الأسس الصحيحة بعفوية أو بقصد والابتعاد عن التعاليم الربانية التي توصي بالعدالة، فحرائق الحقد والطبيعة منتشرة فوق سطح هذا الكوكب بصورها المتعددة؛ منذ سنوات اجتاحت العالم جائحة كورونا وأجلسه حبيس الديار، اليوم أتون الحروب ونارها في كل البقاع يصعب السيطرة عليها لأن النوايا غير بريئة، وهاجس الخوف من الغد قد أصبح الملف الحاضر لحياة كل منا بعد التجرد من أبسط معاني التسامح والعدالة، نتسلح بالأمل أحياناً ببزوغ شمس متجددة ليوم جديد وبداية تحمل الأمل سرعان ما يحجب رؤيتها غبار الشك وغيوم الحقد، لنعود للبدايات الحاضرة بحثا عن سبب يفسر هذه الظواهر، فنجد الجواب بقاسم مشترك، بسلوك البعض ومحاولته السيطرة على خيرات الغير لأوهام تسكن في الظل والخيال، تغلف السلوك والتفكير، بعيدة عن شاطىء الواقع، تتغذى على لهيب الحروب والدمار، تطرب لسماع انفجارات آلة الحرب، لا ترى بالجثث المقتولة والمحترقة أبسط معاني الانسانية، خصوصا اذا وجدت الدعم والتصفيق من صراصير وفئران المجاري والبالوعات، عرابي الحقد والأذية. أمر مؤسف ومحزن ومعيب، يعتبره البعض بطولة وهو يدرك أنه ليس أكثر برهة مرحلية مرهونة برسم الاندثار.
تلك المقدمة، بررت وفرضت الواقع الجديد على المشهد السياسي الحاضر بتغيرات جذرية في المواقف وتبدل ثوب الولاءات والانتماءات في المنطقة خصوصا والعالم عموماً، تتبدل على مستوى الفرد والجماعة والدول، بهدف المباشرة والتسارع لاعادة ترتيب ابجديات اكتسبت الدرجة القطعية بالأمس القريب، ولكنها عرضة للتغيير لتناسب المستجد بعد أن كان الاقتراب منها أو التفكير فيها جريمة تعلق رقبة صاحبها على مقصلة الاعدام؛ المؤسف أن هناك تكرارا بعض سيمفونيات الماضي وأحداثها، ولكن البعض لجهل أو فجاعة لم يستوعب الدرس ولم يكلف خاطره حتى بمراجعة التاريخ للشعوب المناضلة التي قطفت ثمار الحرية والاستقلال والحق من قلوب الاستعمار بشتى أصنافه؛ الحقوق الثابتة بفصول التاريخ هي إرث لأصحاب الأرض، لا يملك أحد الحق أو الأهلية بالتنازل عنه أو بيعه وتسويقه أو المساومة عليه حتى بظروف القوة والضعف، سيعود يوما لأهله بنضال الأجيال التي لم تلد بعد؛ جميع الامبراطوريات التي حكمت واحتلت القمة، قد نزلت عن عرشها بنضال الشعوب المظلومة أصحاب الحقوق؛ قاعدة تاريخية خالدة لن تتغير، حتى المزور منها الذي كتبه المنتصرون بلغة تحاكي بطشهم.
يحتل الأردن القلب والرئة لأكثر مناطق العالم حساسية وأهمية؛ مهد الحضارات والأنبياء، حاضن المقدسات للأديان السماوية وأنبيائها، يسكنه شعب عظيم مخلص مضياف، يميزه ذلك التفاعل مع القيادة التي توجه منطاد العالم لمساحات الخير، استطاع بناء دولة حضارية عبر قرن من الزمن بامكانات متواضعة ومعنويات عالية، دخل مئويته الثانية فوق القمة، كان وما زال المحج الذي يقصده الناس بحثا عن الأمن والأمان عندما يتعرضون لطوفان الحروب والقتل، لم يسجل بحقه أي صورة من صور القمع لمعارض أو قتل لمخالف، بل يحتضن ويستوعب جميع التوجهات السياسية والاقليمية والفكرية، يعطي المساحة المطلوبة من الحرية الفكرية، يسيء البعض فهمها وتفسيرها الذي ينعكس على بنود تنفيذها، يمنح الجميع فرص التعبير والمشاركة، يقف على مسافة واحدة من جميع أبنائه بمختلف توجهاتهم التي كفلها دستوره الحضاري، بالرغم أن حزب التشكيك جاهز للاجهاض على الأفكار بسبب معتقداته التي تحاول زيادة مساحة البعد عن الأغلبية ومضاعفة مسافة الخلاف، حيث تتبنى سياسة الشكالثورية بأبعاد متقاطعة لا تناسب عادات هذا الشعب الأردني العربي الهاشمي الأصيل؛ الأمر الذي يوجب على العقلاء بضرورة مراجعة الأولويات وإعادة ترتيبها، لأن المحافظة على الدولة الأردنية القوية المستقرة الآمنة؛ مصلحة وطنية غير قابلة للمناقشة وغير مسموح من الاقتراب لحدودها أو خدش معالمها، هو مسؤولية جماعية لا تقتصر على فئة دون غيرها؛ الخلاف بين الجماعات والأفراد بوسائل التنفيذ يصبح صحيا وصحيحا إذا بني على صخرة الحرص الوطني، وليس بوكالة غير قابلة للعزل بظروف الحاضر.
بجردة حساب بين المتحقق على مستوى الفرد والوطن داخل حدود الدولة الأردنية والمقارنة مع دول الجوار والدول الشقيقة أو سنوها، نتوصل لحقيقة اعترف فيها ويدركها الجميع، بأن هذا البلد النابض بالحب والحريص على توفير متطلبات السعادة، يحتل مكانة عالمية، جعلته عضوا مهما بصناعة وصياغة القرار العالمي لجميع القضايا التي تعصف بالسلم وتهدد الاستقرار؛ بلد مسموع الرأي من خلال قيادته التي تشكل أنموذجا ومصدر استئناس للقياس، واستقراره يوفر المظلة لبناء السلام المنشود، فوطن يكون القائد بين الشعب على مدار العام، يسمع همومه ويتفقد أحواله، ويوجه بتوفير متطلباته، يتابع واجبات سلطات الحكم ويوجه بتعاونها، يتلقى تقريرا سنويا عن الأداء للمراجعة وتصحيح المسيرة، يحمي حدوده جيش عربي مصطفوي مدرب ومزود بأحدث الأسلحة القتالية، ولديه أجهزة أمنية ذات كفاءات عالية وحس تشخيصي، قوانينه عصرية تتماشى مع متطلبات الحاضر، بلد احتضن الديمقراطية منذ البدايات لايمانه بدور الشعب في المشاركة بالحكم؛ عن الأردن أتكلم، فهل وصلت الرسائل الوطنية من فقراتي المتناثرة؛ أعتقد ذلك وللحديث بقية. ــ الراي