الأخبار

بشار جرار : عودًا على ذي بدء، غزة-أريحا أولاً؟!

بشار جرار : عودًا على ذي بدء، غزةأريحا أولاً؟!
أخبارنا :  

بالتمام على خير، دخلت هدنة حماس-إسرائيل حيز التنفيذ الأحد. في التغطية المباشرة لجانبي الحدث الرئيسيين -المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين- ما يدمي القلب ويجبر الخاطر، في آن واحد. الصورة بصوتها الطبيعي مهمة، ما دامت تعرض بين الحين والآخر الصورة الأهم، وهو المشهد متكاملا في غزة وإسرائيل أولا، ومن ثم الجوار الإقليمي، الأقرب فالأقرب من تداعيات حرب السابع من أكتوبر.
لا ينبغي أن يتقدم على أصوات المعنيين في الصميم إنسانيا أحد، ولا حتى السياسيين والمسلحين الذين بأيديهم بعض أوراق قرار الهدنة الموقوتة المشروطة. هذا أوان الصمت أو ضبط ما يقال، ليس بلسان المعلقين والمحللين بل المراسلين الميدانيين والصحفيين عموما. كلما قل التدخل حتى في المؤثرات الصوتية تلك الاسطوانات الحزينة والأغاني والأناشيد التي يتم توظيفها لا لشرح الحدث وإنما لتوظيفه ومواصلة عملية التحشيد على قاعدة «كل يغنّي على ليلاه»!
بالغة التعبير صورة تلك «الحجّة» بثوبها الفلسطيني، مهرولة باتجاه بيتها في غزة هاشم التي نزحت مرارا إليها خلال عملية المربعات المقررة للنجاة من القصف، إثر ضغوطات الرأي العام. عادت أمّنا هاجر للهرولة لما خلّد ذكراها شَعيرةُ الصفا والمروة. لا تبحث -حفيدة هاجر- عن الماء لرضيعها بل لحفيدها، ظمآنة للماء وأشياء أخرى من أهمها، البقاء. باقون، «صامدون هنا» كما هو لسان حال الغزّيين الذين فشلت عبقريات المفاوضين بتأمين استضافة لهم في مناطق السلطة الفلسطينية أو في النّقب داخل حدود إسرائيل، كما رد كثيرون ومنهم أعضاء كنيست عرب، على محاولات التهجير باسم الحرص على حياة المدنيين باتجاه مصر، الأمر الذي نجحت الدبلوماسية الأردنية والمصرية بإسناد عربي ودولي في إفشاله.
لكن في المقابل، صور كارثية من النواحي السياسية والإعلامية. بضعة «بيكبات» تحمل مجموعات مسلحة بأقنعة وأخرى ملثمة!
النصف الآخر من الشاشة في كثير من عواصم القرار العالمي، يحرص فيه الصحفيون دائما على اختيار تلك الصورة، لا الحاجة المهرولة إلى ما تبقى من بيتها المدمر، لمقابلة صورة مقنّعي مسلحين مع صورة أمهات وآباء وأجداد وأحفاد في انتظار المخطوفات والمخطوفين الإسرائيليين المدنيين خاصة من كبار السن والأطفال والشابات اليافعات. ومما يزيد من الآثار السلبية لتغطية من ذلك النوع، ظاهرة الصحفيين النشطاء والمعلقين الرغائبيين لا المحللين الموضوعيين الذين يصرون على اجتراح تعريفات لا يقبلها لسان حال الواقع عن معايير النصر والهزيمة.
ما زالت عقلية تبرير النكسة والنكبة ماثلة إلى العيان، وبصورة أكثر كارثية بتوفر منصات التزييف العميق عبر وسائل ما سماه آخر وزراء دفاع سورية النظام السابق، «الذكاء الصّنعيّ»!
بعض المشاهد تكاد تكون متطابقة مع بدء تنفيذ اتفاق غزة-أريحا أولا قبل ثلاثة عقود حيث اتضح بعد بضع سنوات أنها كانت تدق أسافين وأوتاد الانقسام الفلسطيني وضرب أرضية الدولة الموعودة وشرعيتها. فهل تفضي بعض الصور والسلوكيات والسرديات إلى استجلاب ما سيؤدي إلى انهيار الهدنة بعد تحرير الرهائن والصفقة التبادلية، أم أنها رسالة تحدي للسلطة الفلسطينية الحالية و»المتجددة»، كما أعلنت نائبة الرئيس الأمريكي السابق كمالا هاريس على هامش قمة المناخ في أبو ظبي بعد شهرين من عملية «طوفان الأقصى» الاسم الذي خلا من بنود الهدنة وخطاب النصر الذي قرأه من خلف اسماعيل هنية، خليل الحية من الدوحة؟ ــ الدستور

مواضيع قد تهمك