سامح المحاريق : شكل الدولة السورية المقبلة... والمجتمع أيضاً!
عنونت العديد من المواقع مقولة لأحمد الشرع، على النحو التالي: بناء الدولة السورية أولى من الحقوق الشخصية، وفي متن بعض المواد الخبرية، كان التصريح يستبدل كلمة المطالب بالحقوق، أو يضيف السياق في نبذ التصرفات الثأرية، أيًا يكن، يبحث الشرع، عن تهدئة تمكنه من التأسيس لسلطة مهيمنة جديدة، وخارج البحث في النوايا، والتفتيش في الضمائر، فهذه السلطة يمكن أن تتوزع بين استئثار من قبل الطيف السياسي الذي يمثله من سلفيين جهاديين سيفرضون توجهاتهم على المجتمع، أو نموذج يستلهم النمط التركي المنفتح، أو أن تتوجه السلطة لتأسيس ان?راج ديمقراطي هادئ بعد الثلاث أو أربع سنوات التي طلبها الشرع، وهو ما ليس واردًا في مختبر التاريخ، ولا يمكن أن يخضع للمخيلة التقليدية.
هل يريد الطرف المسيطر في سوريا أن يبني دولة تتوافق مع الشكل الموروث ويستبدل أشخاصًا بآخرين، على أساس أنهم سيكونون النسخة الأفضل، وعلى الأقل النسخة الطبيعية بعد نسخة سابقة بالغة السوء، أم يريدون شكلًا جديدًا للدولة، يكون في الحديث عن الشريعة بديلًا عن الدستور، والفقه معوضًا عن القانون، وهل يستطيعون ذلك من الأساس، وهل يتصرفون من موقع الذين هضموا جميع التجارب السابقة، أم تتملكهم رغبة إعادة اختراع العجلة؟
ما هي التركيبة التي يستند على أساسها الشرع، وما هي تركيبته الشخصية؟
يصف جورج حبش ياسر عرفات بأنه الرجل الذي يصر على الإمساك بجميع الخيوط في يديه، والترقب للتعرف على توجه الأغلبية ومن ثم تبنيه، فتجده تارةً مهادنًا، وأخرى، مزاودًا ومتطرفًا، وهذه هي البراغماتية السياسية الموجهة للداخل، ولكنها، ومن تجربة ياسر عرفات نفسه، ليست المناسبة دائمًا للخارج ولإدارة العلاقات الدولية والإقليمية.
في الشرع، شيء من هذه الشخصية البراغماتية، وهو يخوض صراعًا مزدوجًا، بين الداخل بالنسبة له، وهو القاعدة الواسعة لهيئة تحرير الشام من الجهاديين، ومنهم الأجانب المتعصبون دينيًا، والذين ينظرون لمشروع سوريا الحديثة بوصفة اليوتوبيا الإسلامية الأصولية، وبين الخارج، الذي يعرف أنه يمكن أن ينقض في لحظة ما ليفجر الوضع الهش أساسًا في سوريا.
دخول دمشق وسط المظاهر الاحتفالية قبل أسابيع لم يكن يعبر عن قوة كامنة في الهيئة بقدر ما كانت تمثل هشاشة النظام، وهي التي تخلف وراءها بلدًا مزدحمًا بالمشكلات والأزمات، وتدرك الهيئة، على الأقل في المستويات القيادية، مدى حاجتها للحلفاء السياسيين بالمعنى الواسع، والميدانيين، وهو المعنى الذي ينطبق على تركيا والأردن في المرحلة الحالية، وربما لبنان والعراق في مرحلة مقبلة، ولدى هذه الدول اعتبارين أساسيين، الأول، هو المحافظة على الدولة السورية ضمن حدودها المعروفة، وتحت سلطة مركزية، والثاني، ألا تتحول سوريا إلى نموذج?متشدد يشكل بؤرة للتيارات الدينية المتطرفة التي يصعب التنبؤ بسلوكياتها وأهدافها بعيدة المدى.
يتحدث الشرع عن بناء الدولة السورية ويلتقي بذلك مع هذه الاعتبارات، ولكنه يمشي على الزجاج المشهم بخصوص الحقوق أو المطالب الشخصية في مجتمع متعدد ومتنوع مثل سوريا، وفي مزاج عام لا يمكن أن يقبل تبعية سوريا في المدى البعيد لتصورات آتية من الخارج، فالسوريون، وعلى امتداد تاريخهم الحديث، منذ معركة ميسلون يفضلون الخسارة الجسيمة على التبعية الصريحة، ولعل ذلك، كان أحد الأسباب القليلة التي جعلت السوريين يتحملون النظام السابق لعقود من الزمن.
الحجيج السياسي لدمشق غايته وهدفه هو بناء دولة سورية قابلة للاستمرار والعودة بدمشق لموقعها الطبيعي المؤثر في المنطقة، ولكن ذلك لا يجب أن يكون غاية في حد ذاته، فهذه الجزئية كان يمكن تحقيقها من خلال تعويم نظام الرئيس السابق بشار الأسد لو تجاوب مع الشروط التي وضعت لاستعادة سوريا، أما الغاية التي تواجه الشرع، وربما غيره من القيادات العربية في المرحلة المقبلة، هي تقديم مقاربة واقعية لمفهوم الفرد المواطن في منظومة الدولة العربية، وبحيث لا يختزل كل شيء في صورة القائد الضرورة، والمسؤولين الذين يعرفون وحدهم مصلحة ال?لاد والعباد.
استهلاك شخصية الشرع وتصريحاته على المستويين الداخلي والخارجي يمضيان بوتيرة أسرع من المتوقع، وما زالت الخطوات العملية تراوح مكانها وخاصة في تأمين ملف الداخل السوري الذي يشكل الدعامة الحقيقية لأي دور مستقبلي لسوريا، وبحيث يصبح الالتفات للمطالب والحقوق الشخصية، أمرًا ضروريًا بدلًا من أن تنقلب لتصبح موضوعًا للصراع في بلد لا يتصف بالتجانس الكبير من الناحية العرقية والطائفية، وهنا يتوجب أساسًا القفز إلى الإجابة عن السؤال الذي يراوح ويناور الشرع/ الجولاني حوله، ما الشكل المحتمل للدولة السورية المقبلة؟ ونظرته للفر? والمجتمع جزء أصيل من ذلك ويجب أن يكون ذلك صريحًا ومباشرًا من خلال تواجد السوريين جميعهم في حوار حقيقي ومنتج من أجل بلادهم التي لا يمكن تصور مستقبل المنطقة من غير استقرارها ومشاركتها.