سمر الصوالحي : الشباب الأردني وحراك الأعمال الحرة: بين الاقتصاد غير الرسمي والابتكار
في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي يشهدها الأردن، أصبح العمل الحر خيارًا متجددًا للشباب الباحث عن الاستقلال المالي بعيدًا عن القيود التقليدية للوظائف الحكومية والخاصة.
ومع ازدياد معدلات البطالة، يبدو أن روح الابتكار لدى الشباب الأردني قد أوجدت حلولًا عملية لتجاوز الواقع الاقتصادي الصعب.
تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يشكل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2023 كما يعتمد هذا الاقتصاد بشكل كبير على نشاط الشباب في مشاريع صغيرة ومتوسطة مثل الحرف اليدوية، الخدمات التكنولوجية، والمشاريع المنزلية ومع ذلك، تواجه هذه الأعمال تحديات جوهرية، أبرزها غياب التشريعات الداعمة؛ حيث تشير الدراسات المحلية إلى أن 60% من هذه المشاريع غير مسجلة رسميًا، مما يحرمها من الاستفادة من التسهيلات الحكومية،يضاف إلى ذلك ضعف الوصول إلى التمويل، حيث يعاني 70% من الشباب من نقص التمويل اللازم لتطوير مشاريعهم، وفقًا لتقرير البنك المركزي الأردني أما المنافسة القوية، فتجعل الشباب يواجهون صعوبة في التميز داخل السوق وسط انتشار الأنشطة المماثلة.
على الرغم من هذه العقبات، أثبت الشباب الأردني أنهم قادرون على تحويل التحديات إلى فرص من خلال الابتكار. تمكن بعضهم من استغلال المنصات الرقمية مثل مواقع التواصل الاجتماعي لتحويلها إلى مصادر دخل عبر التسويق الإلكتروني وتصميم المواقع كما أطلق آخرون مشاريع تعيد تقديم الحرف التقليدية بلمسات عصرية، ما يعزز الهوية الثقافيةوفي قطاع الغذاء، ظهرت مشاريع صغيرة تقدم وصفات مميزة بطرق تسويقية مبتكرة تلبي احتياجات السوق المحلي.
لتوفير بيئة مناسبة تتيح للشباب تحقيق الاستدامة في أعمالهم، ينبغي النظر في مجموعة من الخطوات العملية:
أولًا، إنشاء حاضنات أعمال متخصصة تقدم التدريب والدعم التقني والمالي للشباب، مع ربط هذه الحاضنات بالمجتمعات المحلية لتوسيع نطاق التأثير.
ثانيًا، تبسيط إجراءات تسجيل المشاريع عبر منصات إلكترونية موحدة وتقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع الصغيرة خلال السنوات الأولى من انطلاقها لتحفيز الاقتصاد الرسمي.
ثالثًا، تعزيز التمويل الصغير من خلال إنشاء صناديق تمويلية موجهة لدعم المشاريع الشبابية وتشجيع البنوك على تقديم قروض ميسرة تستهدف الشباب، أخيرًا، إطلاق حملات وطنية تعزز ثقافة الأعمال الحرة وتبرز قصص النجاح، إلى جانب دمج مفاهيم ريادة الأعمال في المناهج التعليمية.
وعلى الصعيد العربي، نجد أمثلة ملهمة تثبت أن الابتكار والعمل الجاد يمكن أن يتغلبا على الظروف الصعبة،في مصر، تمكنت الشابة غادة والي من أن تصبح واحدة من أبرز المصممات في العالم العربي، حيث أدرجتها مجلة فوربس ضمن قائمة الشباب الأكثر تأثيرًا تحت سن 30،و في المملكة العربية السعودية أطلق الشاب عبد الله الحربي منصة إلكترونية لدعم المزارعين المحليين وتسويق منتجاتهم بشكل مباشر، مما ساعد في تحسين دخلهم وتعزيز الاقتصاد المحلي، وفي الإمارات تعتبر منى القرق قصة نجاح مميزة؛ إذ قادت مبادرات مبتكرة في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية لدعم المشاريع الصغيرة وتمكين المرأة.
وعلى الصعيد العالمي، تتجلى قصص النجاح في العمل الحر من خلال أمثلة ملهمة يمكن أن يحتذي بها الشباب الأردني على سبيل المثال، مارك زوكربيرغ، الذي بدأ مشروعه من غرفة في جامعة هارفارد، ليصبح «فيسبوك» واحدة من أكبر الشركات التقنية في العالم، كذلك، سيدة الأعمال الشهيرة أوبرا وينفري، التي حولت شغفها بالإعلام إلى إمبراطورية إعلامية عالمية رغم التحديات التي واجهتها في بداياتها، وفي مجال التكنولوجيا، بدأ جاك ما مشروع «علي بابا» من شقة صغيرة في الصين ليصبح اليوم واحدًا من أهم منصات التجارة الإلكترونية على مستوى العالم.
ختامًا، إن التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشباب الأردني لم تثنهم عن السعي نحو بناء مستقبل أفضل من خلال الابتكار والعمل الحر، في العام الجديد، نتمنى ان تتطلع وزارة الشباب الأردني إلى تعزيز بيئة الأعمال الحرة وتوفير الدعم اللازم لتطوير المشاريع الشبابية، بما يسهم في خلق فرص عمل مستدامة ويساعد على الحد من البطالة.
نتمنى أن تسهم الخطوات العملية المقترحة، مثل دعم حاضنات الأعمال، تسهيل إجراءات تسجيل المشاريع، وتعزيز فرص التمويل، في توفير بيئة تشجع على الابتكار والإبداع، كما نأمل أن تكون هناك جهود أكبر لتمكين الشباب من الاستفادة من المنصات الرقمية والفرص العالمية في قطاع العمل الحر.
في هذا السياق، نؤكد أن قطاع الأعمال الحرة ليس مجرد حل اقتصادي بل هو أيضاً انعكاس لطموحات الشباب الأردني وإرادتهم في المضي قدمًا نحو تحقيق التنمية المستدامة،ومن خلال التعاون المستمر بين القطاعين العام والخاص، يمكن للأردن أن يحقق طفرة نوعية في مجال ريادة الأعمال ويكون نموذجًا يُحتذى به في المنطقة.
نتمنى أن يكون العام الجديد عام تحول حقيقي، مليء بالفرص والتحديات التي تتيح للشباب الأردني أن يثبت قدرته على التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح المستدام. ــ الراي