حسين بني هاني : شرق أوسط جديد
يبدو أنه قيد التشكّل ، ولكنني لا اظن انه سيأتي تماما وفق أمنيات إسرائيل وحدها، في وقت تشهد فيه المنطقة ، سيولة سياسية كبيرة ومفاجئة، تحمل في طياتها مؤشرات ينقصها الكثير من اليقين ، في ظل غياب شديد للرؤية، وتزاحم أطراف عديدة متداخلة ومتصارعة ، يضيق صدر نتنياهو في بعضها ذرعاً ، وهو الذي بشّر على هامش حرب غزة بولادته ، وفق الرغبات الاسرائيلية ، متوّجة هذه المرّة ، بخروج طهران جريحة من دمشق.
المنطقة كما يراها نتنياهو ، ليست اكثر من صورة ذهنية تداعب خياله السياسي ، ولكنه خيال يعتمد فيه على الساكن الجديد للبيت الأبيض ، في وقت تشهد فيه المنطقة تفاعلات سياسية وأمنية عميقة ، تتصدرها أحداث دمشق الاخيرة ،والتي اخذت ترى فيها إسرائيل عائقاً، يحول دون ترتيب اجندتها ، وتحقيق رؤيتها وطموحاتها الشرق أوسطية ، في ظل تهافت وفود الغرب والشرق غير المنقطعة على سوريا ،لإرساء أسس مرحلة جديدة في المنطقة ، باعتبار دمشق واسطة العقد السياسي فيها بعد رحيل الأسد.
تعرف تل أبيب ، ان هدف واشنطن السياسي في المنطقة، هو حمايتها وضمان تفوقها والإصرار على خروجها منتصرة في كل حروبها، ولكن أكثر ما يغضبها من واشنطن ، هو تلك السلاسل المتصلة من المصالح التي تربطها بالإقليم ، خاصة الدول القوية فيه، والتي يصعب عليها فصلها عن منظومة أهدافها ، وهو الأمر الذي تعتبره إسرائيل الخاصرة الضعيفة في علاقتها مع واشنطن.
يغيض تل أبيب مثلا ،أن تقبل واشنطن شرط الرياض ، المتعلق بالقضية الفلسطينية لأقامة علاقة سياسية معها ، بل تعتبر ذلك قصوراً امريكياً ، في قراءة المشهد السياسي العام في المنطقة ، إذا ارادت واشنطن أن تساعد إسرائيل فعلاً ، في بناء شرق أوسط جديد ، وفق قياساتها السياسية ، في المقابل ترى واشنطن أن الضعف الذي منيت به طهران اليوم ، لم يعد يسعفها في توظيف الخطر الايراني ،واستخدامه كفزاعة لتقريب الرياض من تل أبيب ، بعد الحركة التصحيحية في دمشق . كما أن تل أبيب ليست سعيدة ابدا ،وهي ترى واشنطن تغضّ الطرف ،عن الدور الذي تلعبه الفصائل المسلّحة الموالية لايران في العراق ، باعتبار أن بغداد هي آخر القلاع السياسية العربية في المنطقة ، التي تتطلع لبناء علاقات معها بعد الرياض ، لتشكيل ملامح الشرق الأوسط الجديد ، وفق رؤيتها التي تسعى إليها.
أكثر ما يقلق إسرائيل اليوم ، بعد أن تنهي حربها في غزة ولبنان ، هو أن تدرك ادارة واشنطن الجديدة ، حجم فجوة المصالح الناشئة بعد قصة دمشق ، التي تفصل بينها وبين نظرة تل أبيب ، لبناء الشرق الأوسط الجديد ، واختلاف الأولويات ،خاصة بعد أن أصبحت تركيا اردوغان ، احد أبرز اللاعبين فيها، في ظل ما قيل ان الأخير يحظى بمنسوب ثقة عالية لدى الرئيس ترامب ، وهو الأمر الذي ربما لن يساعد نتنياهو في تنفيذ رؤيته المستقبلية للشرق الأوسط.
معظم مراكز الدراسات الامريكية ،ومنذ سنين طويلة ، توصي البيت الأبيض ، بضرورة بناء شراكات استراتيجية تحقق التوازن في الشرق الأوسط ، إذا أرادت واشنطن أن تستقر المنطقة ردحاً طويلا من الزمن . ربما يكون ترامب القائد العاشق للصفقات ، هو الذي سيتصدى لهذا العمل مع القوى الإقليمية كلها ، خلافاً لما يتمناه نتنياهو ويخطط له ، لإرساء ميزان قوى جديد ، تحتل فيه أنقرة والرياض ومعهما تل أبيب مجتمعين ، صدارة القيادة ، لكي يتفرّغ هو للصين ، بل وللصين فقط بعد ان اصبحت وفق رأيه اليوم ، بيضة قبّان العلاقات الأمريكية مع العالم.