الأخبار

رلى السماعين : الاستقرار والإنسانية: ثوابت السياسة الأردنية

رلى السماعين : الاستقرار والإنسانية: ثوابت السياسة الأردنية
أخبارنا :  

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التوقعات المتعلقة بالأحداث المستقبلية في المنطقة، خصوصًا مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يُعرف بشخصيته الجدلية وسياساته «غير التقليدية». ومع ذلك، يبقى ترامب شخصية واضحة في مواقفه، فهو يفعل ما يقوله، ويعلن عن أفكاره علنًا.
لقد قرأنا جميعًا التوقعات والتحليلات الكثيرة التي انتشرت في الأيام الأخيرة، خاصةً حول ما قد يحدث في منطقتنا، وبالتحديد في الأردن.
كصحفية، لا أميل إلى الكتابة بناءً على التوقعات، فليس الكاتب منجمًا. ولا أقرأ التحليلات إلا تلك التي تنبع من فكر جاد ومنهج منطقي، إذ بات الكثير من «المحللين» يخلطون الوقائع باللامنطق. أفضل التعامل مع الوقائع، خصوصًا عندما نتحدث عن المستقبل المجهول، مع إدراك أن التاريخ يعيد نفسه، فحتى وإن تغيرت الشخصيات، تبقى الدوافع التي تحرك البشر واحدة، وأهمها السعي وراء السلطة والنفوذ والرغبة في البقاء.
هناك من يرى، أن عودة الرئيس ترامب قد لا تكون مبشرة بالخير، ويعرض أسبابه التي استخلصها من فترة رئاسته بين 2016 و2020. لكن المشكلة تكمن في كيفية رسم الصورة من خلال الكتابة، وعرضها للمتلقي على أساس أنها ثوابت، وخاصة وبأنه طغت على كتاباتنا في الآونة الأخيرة حالة من الضبابية والتشاؤم.
الغالبية تكتب عن السلبيات وتبالغ فيها، وكأن العالم قد فقد خيره. يكتبون عن الدين العام وكأن المشكلة محصورة في الأردن، وعن البطالة دون مراجعة حقيقية للمؤسسات التعليمية، وخاصة الجامعات والمعاهد، وعن تعثر الإصلاحات دون التطرق إلى ضرورة وضع سياسات واضحة لمحاسبة المسؤول والموظف وتطبيقها. فالقانون والتشريعات الأردنية يجب أن تُعامل كأدوات فاعلة لضمان تحقيق العدالة المجتمعية، لا كنصوص مكتوبة، لأن مبدأ سيادة القانون هو ما جعل من الأردن واحة للأمن والاستقرار.
عندما نبدأ الكتابة بنظرة تشاؤمية للمستقبل ونرسم صورة سلبية في أذهان المتلقين، نكون قد أغفلنا عن الحقائق التي يمكن أن نُحسن استخدامها لصالحنا. فسياسة الأردن تقوم على الخير للجميع داخل الوطن وخارجه. ولولا ذلك، لما تمكنا من إنتاج وتصدير أهم ثلاث مبادرات عالمية ذكرتها في أكثر من مقالة تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان أينما كانت: «رسالة عمان»، و»أسبوع الوئام العالمي بين الأديان»، و»كلمة سواء». مبادرات تركت تأثيرًا إيجابيًا عميقًا في أشد الفترات صعوبة.
من المعروف عن الحكم الهاشمي أن فلسفته استندت إلى مبدأ المواطنة، وهو مفهوم يعكس العدالة والمساواة واحترام جميع الأفراد بغض النظر عن خلفياتهم أو أي اعتبارات أخرى. هذه القيم تم تبنيها وتطبيقها بفعالية، مما ساهم في بناء حياة مشتركة يسودها الوئام، أو ما يُعرف بـ»العيش المشترك». على مر السنين، أضاف التنوع الديني الذي يفخر به الأردن طابعًا فريدًا من الانسجام المجتمعي، حيث عاش المسلمون والمسيحيون حياة يسودها السلام.
كان من الطبيعي أن تنعكس هذه القيم على علاقات الأردن الخارجية، ليصبح نموذجًا للدولة التي تبني جسور التواصل والتفاهم بين الحضارات المختلفة. فقد امتد التزام المملكة بالعدالة والإنسانية إلى ما هو أبعد من حدودها، ليصبح نهجًا دبلوماسيًا ثابتًا يعكس إيمانها العميق بأن السلام يبدأ من الداخل لكنه يتسع ليشمل العالم. وهذا ما جعل الأردن ليس فقط ملاذًا آمنًا للاجئين الذين وجدوا فيه وطنًا مؤقتًا أو دائمًا، بل أيضًا لاعبًا محوريًا في التوسط وحل النزاعات الإقليمية والدولية، مما أكسب المملكة لقب «أرض السلام».
من جهة أخرى، لا يخفى على أحد احترام قادة العالم وتقديرهم الكبير لجلالة الملك عبدالله الثاني. فقد أشاد الرئيس بايدن في أكثر من مناسبة بقيادة جلالته الحكيمة ودوره المحوري وجهوده المبذولة لتحقيق السلام. كما تكلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دور الأردن في معالجة القضايا الإقليمية والدولية، وعن التزام جلالته بتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وفي إحدى المناسبات في 2022، عبر الرئيس ترامب عن احترامه للعمل الذي يقوم به الأردن في حل الأزمات الإنسانية، مشيدًا بالجانب الإنساني في السياسة الأردنية، حيث عبّر عن تقديره العميق للجهود التي يبذلها الأردن تحت قيادة الملك عبدالله الثاني في رعاية اللاجئين وإدارة المخيمات، وأكد أن العلاقة بين الولايات المتحدة والأردن، التي كانت قوية في السابق، أصبحت «الآن أكثر قوة وعمقًا» بفضل التعاون الإنساني المتبادل.
أما بالنسبة للمجموعة الأوروبية، فهي ترى في سياسات الأردن الداخلية والخارجية رمزًا للاستقرار والوسطية والعدالة، وتقدّر الجهد الذي يبذله الأردن لتحقيق توازن بين التحديات الداخلية والتزاماته الإقليمية والدولية، وتعتبر المملكة شريكًا أساسيًا في تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
هذه النظرة العالمية لسياسات الأردن لم ولن تتغير، بل تتعزز مع مرور الوقت، لأن المملكة بُنيت على أسس من العدل والمساواة والاستقرار.
إذاً، هل نبقى محبوسين في دائرة التشاؤم وانعدام التفاؤل فيما يتعلق بقدوم الرئيس ترامب، خصوصًا على الأردن؟ لا أعتقد ذلك. بل أجزم بأن مواقفنا ستظل ثابتة في الاهتمام بالإنسانية وحفظ كرامة الإنسان على تراب الوطن وفي كل مكان.
*صحافية وكاتبة مختصة في الحوارات والسِلم المجتمعي

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك