خلدون ذيب النعيي : الإستراتيجية الأردنية في وحدة الصف الفلسطيني
لطالما اعتبر الأردن وحدة صف الشعب الفلسطيني بمثابة المدماك الأول في بناء جهود نيل حقوقه المشروعة، وهو الأمر الذي أكدت عليه القيادة الأردنية على مدى تاريخ التعاطي مع قضية هذه الشعب، ففي الوقت الذي استثمرت فيه بعض الأنظمة العربية الاختلافات البينية في هذا الصف في تحفيز حدوث انشقاقات لكيانات فرعية فيه تسير في فلكها وتخدم سياساتها المحلية والاقليمية كورقة تفاوض وضغط وقت الحاجة حتى على الفلسطينيين انفسهم أحياناً، فقد نأى الاردن بنفسه عن هكذا سياسات ساهمت في تشتيت الوحدة الفلسطينية في نضالها لنيل حقوقها.
وفي الإطار نفسه نظر الأردن لوحدة هذا الصف كعنوان لتعزيز صمود الأهل في الضفة الغربية في وجه مشاريع الترانسفيير الإسرائيلية التي اصبحت تخرج علناً من طغمة التطرف الحاكمة في تل ابيب والتي تستهدف الأردن صراحة بهذه المشاريع، فهي تريد حل المشكلة المؤرقة للمشروع الصهيوني والمتمثل بالواقع الديمغرافي المتمثل باجتياز أعداد العرب الفلسطينيين مؤخراً أعداد اليهود في فلسطين التاريخية بفضل نسبة الخصوبة للمرأة الفلسطينية واعداد مواليدها فضلاً عن الهجرة المعاكسة التي تعصف بإسرائيل حالياً، فتمثل الحل حسب متطرفي تل ابيب بحل القضية الفلسطينية ككل على حساب الأردن والشعب الفلسطيني نفسه، ومن هنا كانت الرؤية الأردنية أن قوة ووحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية هي خط الدفاع الأول عنه في وجه المشاريع الصهيونية المختلفة.
ما يجري في مخيم جنين حالياً من مواجهات فلسطينية داخلية بغض النظر عن مبرراتها لا يمكن اعتبارها شأناً فلسطينياً داخلياً، وخصوصاً في هذا الوقت الذي يقوم فيه الأردن بجهود جبارة لمواجهة آلة العدوان والإبادة الإسرائيلية في غزة سواء في سياقه الدبلوماسي حيث دأبت الدبلوماسية الوطنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني شخصياً على ابراز وجهة النظر الأردنية المبينة لأثار هذا العدوان اقليمياً وعالمياً وقد بدأت هذا الجهود تأتي أكلها في تفهم كثير من القوى والشخصيات الغربية لوجهة النظر هذه، فضلاً عن السياق الإنساني للجهود الأردنية لمواجهة اثار العدوان الظالم على الشعب الفلسطيني، فما يجري في المخيم وفي هذا الوقت سيعزز بلا شك الانشقاق الداخلي الفلسطيني وهو للأسف ما نطالع أثاره فيما يكتب في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي.
دأبت الأدبيات الإسرائيلية عبر تاريخها على وصف العربي الجيد بالنسبة لها بأنه العربي الميت، وهنا نرجو ان يعي الأشقاء الفلسطينيون اصحاب القضية ذلك وأن يصونوا التاريخ المجيد لنضال شعبهم في وجه اعتى احتلال عرفته البشرية مدعوم من قوى عالمية، فما يجري في جنين كما يشير كثير من الخبراء والمطلعين ستكون بمثابة كرة الثلج التي تكبر مع الزمن وتنثر الفوضى والاقتتال الداخلي، وهو الأمر الذي من الضروري أن يساعد الأردن وهو الأقرب لفلسطين روحاً ومكاناً في ابرازه للمتقاتلين الأخوة في جنين باعتباره خطراً استراتيجياً، وأن ضرر ما يجري سيعم فضلاً عن قضيتهم ونضالهم فسيكون اثره ايضاً على هذا الحمى المبارك الذي كان على الدوام حاملا للهم الفلسطيني ورئة لنفس شعبه وقوته.
* ماجستير في الدراسات الاستراتيجية والإعلامية
ــ الدستور