الأخبار

رشاد ابو داود : مدن المقابر السورية

رشاد ابو داود : مدن المقابر السورية
أخبارنا :  

ان كنت تتابع أخبار سوريا فأنت حر في ما تستنج. أما ان كنت تتابع كإنسان فأعأنك الله على الاحتمال. في كل يوم تكتشف مقبرة جديدة لمعتقلين، بعض القبور لم يتبق من قتلاها سوى حفنة عظام، بعضها بقايا أسنان، بعضها قبور جماعية عبارة عن حفر طويلة مستطيلة تتكدس فيها عظام عشرين أو ثلاثين ضحية أو أكثر.
مشاهد تدمي القلب وتدمع العين. أم تذهب الى مقبرة عساها تجد جثة ابنها المفقود من سنوات. تجد قبوراً لكن لا اسم يدل على من دفن فيه ‘ فقط أرقام ورموز. والد يعلم أن ابنه ربما يكون في مقبرة ما، يدور على المقابر ولا يعود خائباً بل يظل يدور على أمل مستحيل بأن يعثر على ابنه.. ميتاً.
قبل سنوات قليلة شاهدت على وسائل التواصل الاجتماعي أحد الفيديوهات التي سربها مجند عمل 13 سنة مصوراً عسكرياً في الجيش السوري وكلف بتصوير وقائع التعذيب و الاعدامات حتى انشقاقه سنة 2013. وسرب 55 ألف صورة خارج سوريا. عرف المصور باسم قيصر ومن هنا جاء اسم قانون قيصر الذي اعتمدته اميركا لفرض عقوبات على النطام السابق.
الفيديو الذي شاهدته لا ينمحي من ذاكرتي ويجعلني ألعن شهوة السلطة التي تحول الانسان الى وحش بشري. معتقلون معصوبي العيون لا يعرفون ماذا أمامهم ولا الى أين هم متجهون يصرخ عليهم الجندي «امشيييي» يمشي المساكين، يظنون أن ثمة طريقا فيسقطون في حفرة عميقة واحداً واحداً، ولحظة دفعهم يطلق أحد الجنود النار عليهم فيسقطون فوق بعضهم. تتكدس جثثهم. ولم يكن يعرف حينها مصير الجثث.
لكن ما يتم اكتشافه و توثيقه حالياً يؤكد أن الجثث كانت تدفن في قبور جماعية قرب مركز أمني أو معسكر أو في الخلاء، في كل المدن السورية وضواحيها، في دمشق وحمص وحلب ودرعا وحماة وغيرها.

كنا نقول إن هذه فيديوهات وصور مفبركة الهدف منها الاساءة لـ «قلعة الصمود». وكنا ننتظر متى يحين وقت «نحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب» مع كل غارة صهيونية على دمشق وحمص و حلب وأينما يحلو لطيران العدو أن يقصف و يدمر.
معظم مدن وبلدات مقابر ومقار التعذيب والتنكيل و القتل التي ترد في وسائل الاعلام حالياً عشت فيها أو زرتها أثناء دراستي في جامعة دمشق. كانت سوريا واحة عروبة و حارات محبة و أسوار ياسمين. لم نكن نعلم أن تحت بعضها كانت أقبية تعذيب، ولم تكن تنتشر بعد شعارات احتكار سوريا التاريخ و الحضارة لعائلة و شخص واحد «...الى الأبد « بعد أن كانت ترفع شعار الوحدة ليس لسوريا فقط بل لكل العرب ! ــ الدستور

مواضيع قد تهمك